اليمن ، وإنما بسط نفوذه على وسط بلاد العرب كذلك ، حيث نقرأ في نص (ريكمانز ٥٠٦) ـ والذي يرجع تاريخه إلى عام ٥٣٥ أو ٥٤٧ م (١) ـ عن حرب أشعلها أبرهة ضد قبائل معد ، بل وعن العلاقات بينه وبين ملوك الحيرة ، أتباع الفرس ، كما سوف نرى فيما بعد.
وهكذا يبدو واضحا أن تعذيب ذي نواس لنصارى نجران لم يكن هو السبب الحقيقي للغزو الحبشي ، ودليلنا على ذلك ـ غير ما قدمنا من أدلة ـ أن المصادر الإغريقية ، وكذا الحبشية نفسها ، إنما تذهب إلى أن الأحباش قد أغاروا على اليمن ، قبل قصة التعذيب هذه بسنين ، وأنهم قد انتصروا على ذي نواس! واضطروه إلى الالتجاء إلى الجبال ، إلا أنه استطاع بعد فترة أن ينجح في لمّ شمل جنده ، وأن يهاجم الأحباش ، وينتصر عليهم ، وأن يغزو نجران ويتمكن من الاستيلاء عليها ، بعد حصار دام سبعة أشهر ، ثم ينتقم من أهلها شر انتقام (٢).
وهكذا اتفقت مصالح الأحباش والرومان في السيطرة على بلاد العرب الجنوبية ، وكانت سياسة ذي نواس التي تربط بين انتشار المسيحية في اليمن ، وبين ازدياد نفوذ الأحباش السياسي في البلاد ، سببا في أن يتخذ من نصارى اليمن موقفا عدائيا ، وكانت هذه هي الفرصة التي وجدها الرومان للقضاء على استقلال اليمن ، ولكن دون التدخل المباشر ، وإنما بتحريض الأحباش على غزوها ، ولعل الامبراطور «جستين» (٥١٨ ـ ٥٢٧ م) قد اتخذ هذه الخطوة ، ربما نتيجة لأطماع الفرس التي إزدادت في شبه الجزيرة العربية ، بحيث أنهم استقروا في ساحل الخليج العربي ،
__________________
(١) A. F. L. Beeston, Notes on the Muraighan Inscriptions, in BSOASK, ٤٥٩١, P. ٩٨٣ وكذاLe Museon ,٦٦ ,٣٥٩١ ,P.٥٧٢ وكذا S. Smith, Events in Arabia in the ٦ th Century A. D. P. ٥٣٤
(٢) J.B.Bury ,op - cit ,٢ ,.P.٣٢٣