وذكر جده وقد أخذه معه الى منبره ، فهو يقبل على الناس مرة ، وعليه مرةّ ، ويقول : « ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين (١) ».
وكانت مناظر وجدان مؤثرة في الحسن ، وذكريات تاريخ ملذوذة في النفس بدلت من وحشة اللحظة ، وخففت من عرامة الخطب ، وكانت كل ذكرى تثير ذكريات ، وكل منظر يمرّ يوقظ مناظر أخريات.
وانه ليطمئن الى قول جده صلى الله عليه واله ، كما يطمئن الى محكم التنزيل. وها هو ذا جده العظيم يقول له ، وكان صوته الشريف يرنّ بعذوبته المحببة في اذنه ، ويقول لامه الطاهرة البتول ، ويقول على منبره ، ويقول بين أصحابه ، ويقول ما لا يحصى كثرة : « ان ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين ».
ويرجع الحسن الى نفسه فيقول :
ترى ، هل أراد رسول الله (ص) ان اصالح اليوم أهل الشام؟.
وهل أهل الشام البغاة ، فئة مسلمة يصح أن يعنيها هذا الحديث؟.
وهل هذه هي الفتنة التي أرادني رسول الله (ص) لاصلاحها؟. أو قد فدنا الكفاية لقمعها من طريق القوة؟.
كل ذلك كان يراود الحسن ، فيثير في نفسه تفاعلا عنيفا ،ينذر بانقلاب تاريخ ، وكل هذه الاسئلة كانت تنتظر الجواب من الحسن استعدادا للمصير الاخير.
وبعثت هذه الذكريات بما فيها التوجيه النبويّ الذي استشعر منه الحسن حماية جده له في أحرج ساعاته ، فكرة الانقاذ للموقف ، فيما لو اتيح لهذه الاسئلة أجوبتها المطابقة لمقتضى الحال.
ـ نعم ان رسول الله (ص) قال ذلك يقينا دون شك.
__________________
١ ـ البخاري ومسلم وألاصابة ( ج ٢ ص ١٢ ).