ومن هنا رأى الحسن عليهالسلام أن يترك معاوية لطغيانه ، ويمتحنه بما
يصبو اليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد الصلح ، أن لا يعدو الكتاب والسنة في
شيء من سيرته وسيرة أعوانه ومقوية سلطانه ، وأن لا يطلب أحداً من الشيعة بذنب
أذنبه مع الاموية ، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين ،
وأن ، وأن ، وأن. الى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن عالماً بأن معاوية لا يفي
له بشيء منها وأنه سيقوم بنقائضها .
هذا ما أعده عليهالسلام لرفع الغطاء عن الوجه « الاموي »
المموّه ، ولصهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائفة ، ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال « الاموية
» كما هم جاهليين ، لم تخفق صدورهم بروح الاسلام لحظة ، ثأريين لم تنسهم مواهب
الاسلام ومراحمه شيئاً من أحقاد بدر واُحد والاحزاب.
وبالجملة فان هذه الخطة ثورة عاصفة في
سلم لم يكن منه بد ، أملاه ظرف الحسن ، اذ التبس فيه الحق بالباطل ، وتسنى للطغيان
فيه سيطرة مسلحة ضارية.
ما كان الحسن ببادئ هذه الخطة ولا
بخاتمها ، بل أخذها فيما أخذه من ارثه ، وتركها مع ما تركه من ميراثه. فهو كغيره
من أئمة هذا البيت ، يسترشد الرسالة في اقدامه وفي احجامه. امتحن بهذه الخطة فرضخ
لها صابراً محتسباً وخرج منها ظافراً طاهراً ، لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها ، ولم
تلبسه من مدلهمات ثيابها.
أخذ هذه الخطة من صلح « الحديبية » فيما
أثر من سياسة جده صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وله فيه أسوة حسنة ، اذ أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه ، كما أنكر على الحسن
صلح « ساباط » بعض الخاصة من أوليائه ، فلم يهن بذلك عزمه ، ولا ضاق به ذرعه.
وقد ترك هذه الخطة نموذجاً صاغ به
الائمة التسعة ـ بعد سيدي
__________________