وسيرى العلماء قدرة المسعودي الفائقة وبراعته وعلمه الغزير الذي بدا لهم في ثنايا كتابه مروج الذهب ، سيرون أنه قد عاد فظهر فيه بأوضح وأجلى مما ظهر في صنوه المروج من قبل.
وكتاب «أخبار الزمان» هذا ، ثالث كتاب يبرزه عالم الطبع من مؤلفات ذلك الامام الكبير.
وقد يلاحظ من يقرأ كتاب مروج الذهب أو كتاب التنبيه والاشراف أن المسعودي أكثر من الثناء عليه ، وأحال عليه في مواضع كثيرة.
وأنه أوفى كتاب التاريخ ، وأوسع المراجع العلمية الاسلامية التي وضعت في أواسط العصر العباسي.
ويظهر أن المسعودي ضمنه كل ثروته العلمية ، إذ هو أول ما ألف من كتب ، ثم راعته ضخامة الكتاب ، فعمد إلى اختصاره عدة مرات ، ثم عمد إلى تلك الثروه العلمية الهائلة فبعثرها في كتبه ، وفرقها بين مصنفاته ، تفرقة عادلة ، وقسمة مرضية ، راعى فيها أن يكون في كل مؤلف منها ما يحببه إلى القراء ، ويرفع قدره ويسني منزلة بين العلماء.
فكثيرا ما يرى الباحث في كتب المسعودي أنه يعرض إلى إجمال بعض الموضوعات الطريفة ، والاحاديث الغريبة ، في مختلف العلوم والفنون في هذين الكتابين ، يلم بالموضوع إلمامة سريعة ، ثم يذكر أنه بسطه مفصلا ، وذكره بتمامه في كتاب «أخبار الزمان» فلا يزال الباحث يبحث عن ذلك الكتاب ضمن ما طبع أو ما لم يطبع ، وربما دعاه الشوق إلى البحث في مكاتب أوربا ، والمكاتب العامة الخاصة.
ثم لا تكون نتيجة هذا البحث إلا الخيبة والفشل ، والتحسر الدائم على ما فقد وضاع من تراث الآباء.