القطب الأول : في تصوّرها
فنقول
: «العزلة» الانقطاع إلى الله
تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد أو زاوية بيت.
وقد يقال «العزلة» هي الفرار من
والوحشة عن الخلق والاستيناس بالحق وهو أعم الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه
على هجر فضول الدنيا ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف
العارفين.
قال
بعضهم لبعض الأمجاد
وقد قال له سلني حاجتك.
فقال : أولي تقول هذا؟ ولي عبدان هما
سيداك.
قال : ومن هما؟ قال : الحرص والهوى فقد
غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك.
وقيل
لذي النون المصري : متى يصح عزله الخلق؟
قال إذا قويت على عزله نفسك.
قال فمتى يصحّ لي طلب
الزهد؟
قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع
ما يشغلك عن الله.
أقول
: ولما كانت العزلة الفرار من الخلق
والاقبال على الحق فما لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم
يقبل على الله
لشدة ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة.
ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من
الوسخ وقلع الأثر الحاصل عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لاشراق أنوار
الصبغ عليه.
فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن
الرذائل.
__________________