وقيل : المراد بالذكر هنا الفكر. وفي الحديث : «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة».
وعلى هذا ، فالمعنى : تفكّروا في صنائع الله وبدائعه ، على تقدير المضاف ، لأنّ التفكّر في ذاته تعالى منهيّ عنه ، حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تفكّروا في آلاء الله ، ولا تتفكّروا في ذات الله». وذلك لعجز العقول البشريّة عن إدراك ذاته تعالى وحقيقته. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بخير الدارين.
روي : أنّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد ، فقدم دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشام ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخطب يوم الجمعة ، فقاموا إلى اشتراء الزيت بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه ، فما بقي مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا يسير. قيل : ثمانية ، وأحد عشر ، واثنا عشر ، وأربعون. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والّذي نفس محمّد بيده لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا». وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق ، فنزلت :
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) ما ألهى عن ذكر الله (انْفَضُّوا إِلَيْها) انتشروا من عندك متوجّهين إلى التجارة. وإفراد التجارة بردّ الكناية ، لأنّها المقصودة ، فإنّ المراد من اللهو والطبل الّذي كانوا يستقبلون به العير ، ولهذا قدّمها عليه. وقيل : تقديره : إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها ، وإذا رأوا لهوا انفضّوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه. والترديد للدلالة على أنّ منهم من انفضّ لمجرّد سماع الطبل ورؤيته. أو للدلالة على أنّ الانفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما ، كان الانفضاض إلى اللهو أولى بذلك.
(وَتَرَكُوكَ قائِماً) أي : على المنبر ، أو في الصلاة. ويؤيّد الأوّل أنّه سئل عن ابن مسعود : أكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخطب قائما؟ قال : أو ما تقرأ : (وَتَرَكُوكَ قائِماً)؟.
(قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) للمؤمنين من الثواب (خَيْرٌ) أحمد عاقبة ، وأنفع خاتمة