إنّ ما ذكره من الجواب غير واف لدفع الاشكال ، وعلى فرض صحّته فما أُورد عليه غير تامّ.
أمّا الأوّل : فلأنّ العقلاء يحتاطون في الأُمور المهمّة ، بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة فلو علم العقلاء أنّ قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنّهم لو وقفوا على أنّ السيل سيجرف إحدى السيّارات الّتي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على ركوب أيّ منها ، وهكذا غير ذلك من الأُمور الخطيرة.
نعم الأُمور الحقيرة الّتي لا يهتمّ العقلاء بإضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتّى بأقلّ من النسبة المذكورة. والشريعة الإلهيّة من الأُمور المهمّة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في الأُمور غير المهمّة.
ولأجل ذلك قلنا إنّ أصل الجواب غير تامّ. اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن أنّه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلاّ لما سوّغ العمل بقول الثقة على وجه الإطلاق ، وليس قول كلّ ثقة مفيداً للدرجة العليا من الاطمئنان.
وأمّا الثاني : وهو أنّ الإشكال على فرض صحّة الجواب ، غير وارد ، فلأنّ النجاشي يصرّح بأنّ وجه إرساله الروايات ، هو أنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ; وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله. (١)
__________________
١. رجال النجاشي : ٢ / ٢٠٤ برقم ٨٨٨.