الربيع وقد کان يأکل معه فجاءه لبيد الشاعر وهو غلام مع قومه للانتقام من الربيع في قصة مشهورة في مجامع الامثال فقال لبيد مخاطبا للنعمان :
مهلا أبيت اللعن لا تأکل معه |
|
ان استه من برص ملمعه |
وانه يدخل فيها اصبعه |
|
يدخلها حتي يواري اشجعه |
فرفع النعمان يده من الطعام وتنکر لنديمه هذا وأبي ان يستکشف صدق هذا القول فيه بالرغم على الحاحه وقال له ما ذهب مثلا من أبيات :
قد قيل ذلک ان حقا وان کذبا |
|
فما اعتذارک من قول اذا قيلا(١) |
واعتبر ذلک أيضا في تصوير الانسان بهذه الصورة اللفظية البشعة (أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة. وهو ما بين ذلک يحمل العذرة). فان هذه صورة حقيقية للانسان ولکنها ليست کل ما له من صور وللنفس على کل حال محاسنها التي ينبغي ان يعجب بها لا سيما من صاحبها واعجاب المرء بنفسه وحبه لها أساس حياته کلها. ولکن مثل ذلک التصوير البشع يأخذ من النفس أثره من التنفر والاشمئزاز حتي لو کان أبعد شيء في التأثير في التصديق والاعتقاد بحقارة النفس. وسبب هذا التأثر النفسي هو التخيل الذي قد يقلع المتکبر عن غطرسته ويخفف من اعجابه بنفسه. وهذا هو المقصود من مثل هذه الکلمة.
واعتبر أيضا بالشعر العربي فکم رفع وضيعا أو وضع رفيعا وکم اثار الحروب واوري الاحقاد. وکم قرب بين المتباعدين وآخي بين المتعادين. ورب بيت صارسبة لعشيرة وآخر صار مفخرة لقوم. على ان کل ذلک لم يغير واقعا ولا اعتقادا. ومرد ذلک کله الى الانفعالات النفسية وحدها وقد قلنا إنها اعظم تأثيراً على الجمهور الذي هو عاطفي بطبعه وعلى
__________________
(١) راجع مجمع الأمثال للميداني : ج ٢ ص ٤٩.