(وَذَكِّرْ) ولا تدع التذكير والموعظة (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أي : تؤثّر في الّذين عرف الله منهم أنّهم يدخلون في الإيمان. أو يزيد الداخلين فيه إيمانا.
وعن مجاهد قال : خرج عليّ بن أبي طالب عليهالسلام مغتمّا مشتملا في قميصه ، فقال : لمّا نزلت (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) لم يبق أحد منّا إلّا أيقن بالهلكة ، حين قيل للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم «فتولّ عنهم». فلمّا نزل (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) طابت نفوسنا.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إلّا لأجل العبادة ، أي : لم أرد من جميعهم إلّا إيّاها ، مختارين لها لا مضطرّين إليها ، لأنّه خلقهم ممكّنين ، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدا لها ، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.
وخلاصة المعنى : أنّ الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب ، وذلك لا يحصل إلّا بأداء العبادات ، فصاروا كأنّهم خلقهم الله للعبادة. فإن لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ، ويكون كمن هيّأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه ، فحضروا ولم يأكله بعضهم ، فإنّه لا ينسب إلى السفه ، ويصحّ غرضه ، فإنّ الأكل موقوف على اختيار الغير. فكذلك ها هنا ، فإنّ الله إذا أزاح علل المكلّفين ، من القدرة والآلة وإعطاء الألطاف ، وأمرهم بالعبادة ، فمن خالف فقد أتى من قبل نفسه لا من قبله سبحانه.
وشأن الله تعالى مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، فإنّ ملّاك العبيد إنّما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم ، فإنّ العبد إمّا مجهّز في تجارة ليفي ربحا ، أو مرتّب في فلاحة ليغتلّ (١) أرضا ، أو مسلّم في حرفة لينتفع
__________________
(١) اغتلّ الأرض : أخذ غلّتها.