وفرس وفلك وكوكب وماء ونار حكاية ، وهي جواهر عقلية متحدة بالعقل بالفعل حقيقة. وهذه الأحكام وأشباهها من عجائب معرفة النفس الآدميّة وعلم المعاد كما نحن بصدد بيانه من ذى قبل انشاء الله. (الأسفار ، ج ١ ، ص ٣٢١ ، ط ١).
أقول : العقل يحكم بأنّ ما يدركه إنسان هو أيّ نوع من الإدراكات ، وهو الحاكم مثلا بأنّ ذلك المدرك مما فاض على صقع النفس مجرّدا ثمّ تمثّل بمثال صورى في لوح النفس أيضا ، وانّ هذا المدرك هو مما أنشأه النفس في صقع ذاتها بإعداد قواها الحسيّة ، وأنّى للقوى الأخرى هذه الشأنية. والعين تنفعل من الشمس إذا قابلتها مفتوحة أو مضمومة ، والمحسوس بالذات هو ما حصل للنفس عند قوتها الباصرة ، وأمّا أنّ المحسوس بالعرض هو الشمس ولها وجود في الخارج فهو شأن العقل؛ وكذا في باقى المحسوسات. بل ربما يدرك الإنسان مثالا نوريا في الأفق الأعلى وبين جثّة المدرك وذلك المثال مسافة مراحل ، وهو يعلم أنّ ذلك المثال قائم بنفسه القدسية الكلية الإلهية المدركة وليس بخارج عنها وإن كان بظاهره خارجا عنها بتلك المسافة ، وأنّى للحواس ذلك العلم والحكم. قال سبحانه : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (النجم ٦ ـ ١١).
فهذا الدليل حكم عدل وناطق بالصواب على أنّ القوّة الحاكمة المميّزة التي اختص بها الإنسان دون سائر الحيوانات ، هي ليست من القوى المحسوسة ، بل هي نور مجرّد من وراء عالم الطبيعة وفوقه وقبله وبعده ومحيط عليه بل محيط به.
قوله : «ونعم العون إلخ». تحقيق البحث يطلب في عدة مواضع من الأسفار منها في مبحث الوجود الذهنى. وقوله : حكاية ، ناظر إلى ما هو التحقيق في الوجود الذهنى فإنّ المدركات من حيث هي حكاية وجودات ذهنية ، ومن حيث هي نور النفس علم حضورى ووجود بسيط اتسع بها النفس اتساعا وجوديا ، وزادت انكشافا نوريا. ولمّا كان العلم والعمل جوهرين نوريّين وكان قوام النفس بهما ، وكان العلم مشخصا للنفس كما أنّ العمل كان مشخصا للبدن ، والبدن مرتبة نازلة للنفس في العوالم كلّها ، ويتجسّم ويتحقق العلم والعمل كان للإنسان معادان ، الجسمانى والروحانى معا ، ويطلب تفصيل