والحس كأنّه نزع تلك الصورة عن المادّة وأخذها في نفسه لكن نزع إذا غابت المادة غاب ونزع مع العلائق العرضية الماديّة فإذن لا مخلص للحسّ إلى مجرّد الصورة.
وأمّا الخيال فإنّه يجرّد الصورة تجريدا اكثر من ذلك ، وذلك أنّه يستحفظ الصورة وإن غابت المادّة ، لكن ما ينزع للخيال من الصورة المأخوذة عن الإنسان مثلا لا تكون مجرّدة عن العلائق الماديّة فإنّ الخيال ليس يتخيّل صورة إلا على نحو ما من شأن الحس أن يؤدّي إليه.
وأمّا الوهم فإنّه وإن استثبت معنى غير محسوس فلا يجرّده إلّا متعلّقة بصورة خياليّة ، فإذن لا سبيل لشيء من هذه القوى أن تتصوّر ماهية شيء مجرّدة عن علائق المادّة وزوائدها إلّا للنفس الإنسانية فإنّها التي تتصور كل شيء بحدّه كما هو منفوض عنه العلائق الماديّة وهو المعنى الذي من شأنه أن يوقع على كثيرين كالإنسان من حيث هو إنسان فقط فإذا تصور هذه المعانى تعدى التصور إلى التصديق بأن يؤلف بينها على سبيل القول الجازم فالشيء في الإنسان الذي تصدر عنه هذه الأفعال تسمّى نفسا ناطقة ، وله قوتان :
إحداهما معدّة نحو العمل ووجهها إلى البدن وبها يميّز بين ما ينبغى أن يفعل وما يحسن ويصحّ من الأمور الجزئية ويقال له العقل العملي ويستكمل في الناس بالتجارب والعادات ، والثانية قوّة معدّة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس ووجهها إلى فوق وبها ينال الفيض الإلهى.
وهذه القوّة قد تكون بعد بالقوّة لم تعقل شيئا ولم تتصوّر بل هي مستعدّة لأن تعقل المعقولات ، بل هي استعداد ما للنفس نحو تصوّر المعقولات ، وهذا المسمى العقل بالقوّة والعقل الهيولانى.
وقد تكون قوّة أخرى أخرج منها إلى الفعل ، وذلك بأن يحصل للنفس المعقولات الأولى على نحو الحصول الذي نذكره ، وهذا المسمّى العقل بالملكة ، ودرجة ثالثة هي أن تحصل للنفس المعقولات المكتسبة فتحصل النفس عقلا بالفعل ، ونفس تلك المعقولات تسمى عقلا مستفادا.