وما الفرق بين الأمرين؟
فأجاب عنه المحقق الطوسى بقوله : «انّ الهيولى أنّما تتحصل موجودة ذات وضع بذلك الانطباع ، والنفس لا يجوز أن تصير ذات وضع البتة».
أقول : مراد المعترض أنّ النفس ليست بمجرّدة بل مادية كالهيولى ، ومراد المحقق من الجواب أنّ الاعتراض على تجرّد النفس بقياسها بالهيولى قياس مع الفارق فالنفس باقية على تجرّدها ، وذلك لأن الهيولى تتحصل موجودة ذات وضع بانطباع الطبيعة الجسمية وامّا النفس فلا تصير ذات وضع البتة.
اعلم أنّ النفس بلحاظ نشأتها الدّانية من حيث إنّ بدنها مرتبتها النازلة ذات وضع كما لا يخفى ، وأما بلحاظ نشأتها العالية ليست بذات وضع ، كيف وما هو ذو وضع ليس له إلّا صورة واحدة جسمية لا يقبل صورة أخرى إلّا بزوال الأولى ، والنفس تقبل صورة بعد صورة إلى غير النهاية من غير زوال السابقة بتعاقب اللاحقة فهي مجرّدة عن المادة وأحكامها من الوضع والأحياز والفساد ونحوها.
قوله : «وقوله هب أنّ ما ذكرتموه إلخ» ناظر إلى كلام الفخر الرازى في المقام حيث قال في شرحه على الإشارات بعد الاعتراض المذكور ما هذا لفظه :
وأيضا فهب أنّ ما ذكرتموه يقتضى كون الإدراكات الحسية والخيالية جسمانية ولكن لا يلزم منه كون الإدراكات الوهمية جسمانية ، فإنّ ملاحظة النفس للصداقة المخصوصة لا يتوقف على ملاحظتها لأجزاء تلك الصداقة متباينة في الوضع. (هامش ص ٢٥٥ ، ط مصر).
فأجاب عنه المحقق الطوسى بقوله : «انّهم لم يتمسكوا في ذلك بهذه الحجة بل بغيرها» انتهى.
وأقول : تعليل الفخر بأنّ ملاحظة النفس للصداقة إلخ ، ناظر إلى قول الشيخ في آخر هذا الفصل المعنون بالوهم والتنبيه ، وهو «وأمّا الصور الحسية والخيالية فتفتقر ملاحظة النفس أجزاء لها جزئية متباينة الوضع إلخ. والشيخ لم يدّع هاهنا أنّ الإدراكات الوهمية جسمانية وانّما تعرض بأنّ الإدراكات الحسية والخيالية جسمانية ،