على إعادته قادر لا محالة (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفيّة خلقها. فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتّتة ، المتبدّدة أصولها وفصولها ومواقعها ، وطريق تمييزها ، وضمّ بعضها إلى بعض على النمط السابق ، وإعادة الأعراض والقوى الّتي كانت فيها ، أو إحداث مثلها.
ثمّ زاد سبحانه في البيان بقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) مع مضادّة النار الماء ، وانطفائها به. وهي الزناد الّتي تورى بها الأعراض. وأكثرها من المرخ (١) والعفار ، بأن يسحق المرخ ـ الّذي هو ذكر ـ على العفار الّتي هي أنثى ، وهما خضراوان يقطر منهما الماء ، فتنقدح النار. وعن ابن عبّاس : ليس من شجرة إلّا وفيها نار إلّا العنّاب. (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) لا تشكّون في أنّها نار تخرج منه.
فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر ، مع ما فيه من المائيّة المضادّة لها بكيفيّتها ، كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضّا فيبس وبلى.
ثمّ ذكر من خلقه ما هو أعظم من الإنسان ، فقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) مع كبر جرمهما وعظم شأنهما (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) في الصغر والحقارة بالإضافة إليهما. أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها ، وهو المعاد.
وعن يعقوب : يقدر. والهمزة للتقرير. يعني : من قدر على خلق السماوات والأرض واختراعهما ، مع عظمهما وكثرة أجرامهما ، ليقدر على إعادة خلق البشر.
ثمّ أجاب لتقرير ما بعد النفي بقوله : (بَلى) مشعرا بأنّه لا جواب سواه (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) كثير المخلوقات والمعلومات.
ثمّ ذكر سبحانه قدرته على إيجاد الأشياء على وجه السهولة ، فقال : (إِنَّما أَمْرُهُ) إنّما شأنه سبحانه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) إذا دعت حكمته إلى تكوين شيء
__________________
(١) المرخ : شجر رقيق سريع الوري يقتدح به. والعفار : شجر يتخذ منه الزناد. والزناد جمع الزند ، وهو العود الأعلى الذي يقتدح به النار.