في قوله : (ما هذا بَشَراً) (١) لأنّ «إلّا» ينقض النفي ، فلا يبقى لـ «ما» المشبّهة بـ «ليس» شبه ، فلا يبقى له عمل.
(وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) من وحي ورسالة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) في دعوى إرساله إيّاكم ، فإنّهم اعتقدوا أنّ من كان مثلهم في البشريّة لا يصلح أن يكون رسولا ، وذهب عليهم أنّ الله سبحانه يختار من يشاء لرسالته ، وأنّه علم من حال هؤلاء صلاحهم للرسالة وتحمّل أعبائها.
(قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) استشهدوا بعلم الله. وهو يجري مجرى القسم. وزادوا اللام المؤكّدة هاهنا ، لأنّه جواب عن إنكارهم ، بخلاف الأوّل ، فإنّه ابتداء إخبار ، فلا يناسبه اللام المؤكّدة.
(وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) الظاهر البيّن بالآيات الشاهدة لصحّته. وهو المحسن للاستشهاد ، فإنّه لو قال المدّعي : والله إنّي لصادق فيما أدّعي ، ولم يبيّنه بدليل واضح ، لكان قبيحا ، فلا يحسن الدعوى إلّا ببيّنة.
(قالُوا) في جواب الرسل حين عجزوا عن إيراد شبهة ، وعدلوا عن النظر في المعجزة (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) تشاء منا بكم. وذلك لاستغرابهم ما ادّعوه ، واستقباحهم له ، وتنفّرهم عنه ، فإنّ من عادة الجهّال أن يتيمّنوا بكلّ شيء مالوا إليه واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم ، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه. فإن أصابهم نعمة أو بلاء ، قالوا : ببركة هذا وبشؤم هذا. كما حكاه الله تعالى عن القبط : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) (٢). وعن مشركي مكّة : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) (٣). وقيل : حبس عنهم القطر فقالوا ذلك.
__________________
(١) يوسف : ٣١.
(٢) الأعراف : ١٣١.
(٣) النساء : ٧٨.