وتطرّق الغزالي إلى عكس القضايا في
تفصيله الرابع ، عقب التقابل ، جاعلا للعكس دورا في الاستدلال والبرهان والدليل
الفقهيّ. فإذا لم تتطابق ، مثلا ، القضية المطلوبة مع الدليل النصّي والفقهيّ ، اعتمد
العكس. وربما حصل المراد في حينها. «وهذا أيضا ـ أي العكس ـ يحتاج إليه وربما لا
يصادف الدليل على المطلوب نفسه ، ويصادف على عكسه فيمكن التوصّل منه إلى المطلوب
...» وهكذا يدخل
الغزالي المنطق ضمن علوم المسلمين ، جاعلا العكس أداة استدلال تدعم عمليّات
الاجتهاد والأحكام. فيرى أنّنا بعكس القول أو الحكم ، نعمل على حلّ التنافي بينهما
وبين النصّ. ويؤدي التوافق بين الحالين إلى حصول الاجتهاد. ولم يغب عن باله حالات
العكس ، وشروطها ، لكنه تميّز من المعيار بذكر الأمثلة الفقهيّة واستخدام التعابير
الأصولية ، فقال : «وأعني بالعكس أن تجعل محكوما عليه والمحكوم عليه حكما ، ولا
تتصرف فيه إلا هذا القدر وتبقى القضيّة صادقة ..» ، كما ذكر القضايا الأربع وعكسها ، لكنّه
اصطلح على تسميتها الإسلامية : «نافية عامّة ، ونافية خاصّة ، ومثبتة عامة ، ومثبتة
خاصّة». وسبق أن وضّحنا العامّ والخاصّ وتميّز المحكّ بهما. والنفي هنا بمعنى
السلب : «وما يسلب عن الشيء فمسلوب عنه الشيء بالضرورة» . أما الإثبات فبمعنى التأكيد ، ويسمى
بالمنطق الإيجاب والموجب.
أما بحث القياس فلم يستطع الغزالي في «محكّ
النظر» مجاوزة عادته التي دأب عليها في بداية فقرة القياس من كلّ مصنّف. وربّما
كرّر من دون شهوة ، واقتضاء ذلك وحدة المضمون القياسيّ ، وعدم اختلافه في عناصره وأسسه
بين كتاب وآخر. وها هو يبدأ بحثه في هذه الفقرة بالقول : «إنّ القياس عبارة عن
أقاويل مخصوصة ألّفت تأليفا مخصوصا ونظّمت نظما
__________________