إجلال عيسى ، وإظهار مزيّة شرف الحسن والحسين ، وإن كان فيهما الشرافة العليّة من جانب الأب ، وأن لا يفتضح أولاد الزنا.
(فَمَنْ أُوتِيَ) من المدعوّين (كِتابَهُ) أي : كتاب عمله (بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) ابتهاجا وتبجّحا بما يرون فيه (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) مقدار فتيل. وهو المفتول الّذي في شقّ النواء ، وهو أدنى شيء في المقدار. يعني : لا ينقصون من أجورهم أدنى شيء ، كقوله : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (١). وجمع اسم الإشارة والضمير ، لأنّ من أوتي في معنى الجمع.
وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدلّ على أنّ من أوتي كتابه بشماله إذا اطّلعوا على ما فيه ، أخذهم ما يأخذ المطالب بالنداء على جناياته والاعتراف بمساويه ، أمام التنكيل به والانتقام منه ، من الحياء والخجل ، وحبسة اللسان والتتعتع ، والعجز عن إقامة حروف الكلام ، والذهاب عن تسوية القول ، فكأنّ قراءتهم كلا قراءة ، ولهذا لم يذكرهم. وأمّا أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك ، لا جرم أنّهم يقرؤن كتابهم أحسن قراءة وأبينها ، ولا يقنعون بقراءتهم وحدها حتى يقول القارئ لأهل المحشر (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٢).
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) في هذه الدنيا أعمى القلب ، لا يبصر الرشد وطريق النجاة (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) كذلك (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) لا يهتدي إلى طريق الجنّة.
والأعمى مستعار ممّن لا يدرك المبصرات لفساد حاسّته ، لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة ، أمّا في الدنيا فلفقد النظر ، وأمّا في الآخرة فلأنّه لا ينفعه الاهتداء إليه. وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل ، من : عمى بقلبه ، كالأجهل. ومن ثمّ قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي الأوّل ممالا. والثاني لم يوافقهم ابن عامر ، بل يفخّمه ،
__________________
(١) مريم : ٦٠.
(٢) الحاقّة : ١٩.