(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الضمير للحكومة أو الفتوى.
روي أنّ داود حكم بالغنم لصاحب الحرث. فقال سليمان ـ وهو ابن إحدى عشرة سنة ـ : غير هذا يا نبيّ الله أرفق بالفريقين.
قال : وما ذاك؟
قال : تدفع الغنم إلى صاحب الزرع ، فينتفع بألبانها وأولادها وأشعارها ، والحرث إلى صاحب الغنم ، فيقوم عليه حتّى يعود كهيئة يوم أفسد ، ثمّ يترادّان.
فقال داود : القضاء ما قضيت ، وأمضى الحكم بذلك.
والصحيح أنّهما جميعا حكما بالوحي ، إلّا أنّ حكومة سليمان نسخت حكومة داود ، لأنّ الأنبياء لا يجوز أن يحكموا بالظنّ والاجتهاد ولهم طريق إلى العلم.
وفي قوله : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) دليل على أنّ كليهما كانا مصيبين ، ويبطل قول البلخي وأضرابه من العامّة أنّه يجوز أن يكون ذلك الحكم عن اجتهاد.
وتنقيح المبحث : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان يوحى إليه ، وله طريق إلى العلم بالحكم ، فلا يجوز أن يحكم بالظنّ. على أنّ الحكم بالظنّ والاجتهاد والقياس ، قد بيّن أصحابنا في كتبهم أنّه لم يتعبّد بها في الشرع إلّا في مواضع مخصوصة. ولأنّه لو جاز للنبيّ أن يجتهد ، لجاز لغيره أن يخالفه ، كما يجوز للمجتهدين أن يختلفا ، ومخالفة الأنبياء عليهمالسلام تكون كفرا.
هذا وقد قال الله سبحانه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١). فأخبر سبحانه أنّه إنّما ينطق عن جهة الوحي.
إن قلت : لم لا يجوز الاجتهاد للنبيّ إذا حضرت الواقعة وفقد الوحي ، وكان تأخير الحكم ضررا؟ وحينئذ لا يلزم العمل بالظنّ مع إمكان العلم ، إذ الفرض عدمه.
قلت : إنّ الحكم حينئذ ليس باجتهاد ، لدلالة الوحي على نفي الضرر ، فيكون حكما بالنصّ النوعي.
__________________
(١) النجم : ٣ ـ ٤.