(ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ما لم يتعلّق به علمك تقليدا. وعن ابن عبّاس : لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم. والعلم هنا مقابل الجهل ، وهو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند ، سواء كان قطعا أو ظنّا. واستعماله بهذا المعنى شائع ، فلا يكون حجّة لمن منع اتّباع الظنّ ، فيدخل فيه الاجتهاد ، لأنّ ذلك نوع من العلم ، فإنّ الشرع قد أقام غالب الظنّ مقام العلم ، وأمر بالعمل به.
وقيل : إنّه مخصوص بالعقائد. وقيل : بالرمي وشهادة الزور. ويؤيّده قوله عليهالسلام : «من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج».
والردغة : الماء والطين والوحل الشديد. والمراد هنا عصارة أهل النار ، والخبل عرقهم. والمعنّي من الآية : النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم ، وأن يعمل بما لم يعلم.
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) أي : كلّ هذه الأعضاء.
قال في الأنوار : «إنّما خصّ هذه القوى الثلاثة بالذكر ، لأنّ العلوم إمّا مستفاد من الحواسّ أو العقول. ولمّا كانت هذه الثلاثة مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها أجريت مجرى العقلاء. وأيضا «أولاء» وإن غلّب في العقلاء ، لكنّه من حيث إنّه اسم جمع لـ «ذا» وهو يعمّ القبيلتين جاء لغيرهم» (١).
(كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) الضمير للكلّ ، أي : كان كلّ واحد منها مسئولا عن نفسه ، يعني : عمّا فعل به صاحبه. ويجوز أن يكون الضمير في «عنه» لمصدر «لا تقف» ، أو لصاحب السمع والبصر والفؤاد. وقيل : إنّ «مسئولا» مسند إلى «عنه» ، كقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ). والمعنى : يسأل صاحبه عنه. وهو خطأ ، لأنّ الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدّم.
__________________
(١) أنوار التنزيل ٣ : ٢٠٢. ولم ترد فيه الجملة الأولى.