الزرقة الخضرة في سواد العين ، كعين السنّور. وصفوا بذلك لأنّ الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لأنّ الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العيون. ولذلك قالوا في صفة العدوّ : أسود الكبد ، أصهب (١) السبال ، أزرق العين. وقيل : «زرقا» بمعنى : عميا ، لأنّ حدقة من ذهب نور بصره تزراقّ. وقيل : عطاشا يظهر في عيونهم كالزرقة ، مثل قوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٢).
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) يخفضون أصواتهم مسارّة بينهم ، لما يملأ صدورهم من الرعب والهول. من الخفت ، وهو خفض الصوت وإخفاؤه. (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ليال عشر. يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا ، إمّا لما يعاينون من الشدائد الّتي تذكّرهم أيّام النعمة والسرور ، فيتأسّفون عليها ، ويصفونها بالقصر ، لأنّ أيّام السرور قصار ، كقوله :
تمتّع بأيّام السرور فإنّها |
|
قصار وأيّام الهموم طوال |
وإمّا لأنّها ذهبت عنهم وتقضّت ، والذاهب وإن طالت مدّته قصير بالانتهاء. وإمّا لاستطالتهم مدّة الآخرة ، وأنّها أبد سرمد ، يستقصر إليها عمر الدنيا ، ويستقلّ لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) وهو مدّة لبثهم. ثمّ استرجح الله قول من يكون أشدّ رأيا وصوابا منهم في قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أو فرهم عقلا ، وأصوبهم رأيا. وقيل : أكثرهم سدادا عند نفسه. (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) ونحوه قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) (٣). وقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤). وإنّما قال ذلك لأنّ اليوم الواحد والعشرة إذا قوبلا
__________________
(١) أي : أشقر الشوارب.
(٢) مريم : ٨٦.
(٣) المؤمنون : ١١٢ ـ ١١٣.
(٤) النازعات : ٤٦.