ولمّا ختم الله سورة الرعد بإثبات الرسالة وإنزال الكتاب ، افتتح هذه السورة ببيان الغرض في الرسالة والكتاب ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر) أنا الله أعلم وأرى. وباقي الوجوه فيه مزبور في أوّل سورة البقرة.
(كِتابٌ) أي : هو كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ) بدعائك إيّاهم إلى ما تضمّنه (مِنَ الظُّلُماتِ) من أنواع الضلال (إِلَى النُّورِ) إلى الهدى (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بتيسيره وتسهيله. مستعار من الإذن الّذي هو تسهيل الحجاب. والمراد ما يمنحهم من التوفيق والألطاف. وهذا صلة «لتخرج» ، أو حال من فاعله أو مفعوله.
(إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بدل من قوله : «إلى النور» بتكرير العامل. أو استئناف على أنّه جواب لمن يسأل عنه. وإضافة الصراط إلى الله تعالى ، إمّا لأنّه مقصده ، أو المظهر له. وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنّه لا يذلّ سالكه ، ولا يخيب سابله.
(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) قرأ نافع وأبو عمرو بالرفع ، على أنّه مبتدأ والموصول خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف والموصول صفته ، أي : هو الله الّذي. وقرأ الباقون بالجرّ ، على أنّه عطف بيان للعزيز ، لأنّه كالعلم ـ كما غلّب النجم في الثريّا ـ لاختصاصه بالمعبود على الحقّ.
ثمّ أوعد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور ، فقال : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) الويل نقيض الوأل ، وهو النجاة. وأصله النصب ، لأنّه مصدر ، إلّا أنّه لم يشتقّ منه فعل ، لكنّه رفع لإفادة الثبات ، كما يقال : سلام عليك. والمعنى : أنّهم يولولون من عذاب شديد ، ويضجّون منه فيقولون : يا ويلاه ، كقوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) (١).
(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) يختارونها عليها ، فإنّ المختار
__________________
(١) الفرقان : ١٣.