(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (١) فلم ينجع فيه. فقال الله لجبرئيل : أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة.
فانحطّ جبرئيل وهو يقول : يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟! وقالوا : رأى تمثال العزيز.
وغير ذلك من الأقاويل الباطلة وتقوّلاتهم الحشويّة. فيا له من مذهب ما أفحشه! ومن ضلال ما أبينه! الّذي يتضمّن الجبر والقسر الّذي يرتفع معه الاختيار الّذي هو مناط التكليف ، ويقتضي أن لا يستحقّ على الامتناع من القبيح مدحا ولا ثوابا. فلعنة الله عليهم ، وعلى من يعتقد معتقدهم ، حتى قال قائل من قبلهم : إنّ قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) خرجا مخرجا واحدا ، فلم جعلتم همّها به متعلّقا بالقبيح ، وهمّه بها متعلّقا بغيره؟
قلنا : إنّ من الظاهر أنّ الظاهر لا يكون دليلا وحجّة إذا عارضه الدليل العقلي والنقلي. أمّا النقلي على أنّه ما همّ بالفاحشة فقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ، وقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٢) ، وقوله : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (٣). ولا شبهة في أن العزم على الفاحشة من السوء. وأمّا العقلي فلأنّه عليهالسلام نبيّ ، والنبيّ لا بدّ أن يكون معصوما من جميع الصغائر والكبائر ، والقبائح والفواحش ، كما قرّر في الكتب الكلاميّة بأوضح وجه.
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) أي : تسابقا إلى الباب. فحذف الجارّ ، أو ضمّن الفعل معنى الابتدار ، فلا يحتاج إلى تقدير صلة. وذلك أنّ يوسف عليهالسلام فرّ منها ليخرج ويتخلّص
__________________
(١) البقرة : ٢٨١.
(٢) يوسف : ٥٢.
(٣) يوسف : ٥١.