من السماء. وقيل : لأنّ البركات تنسب إلى أنّها تأتي من السماء. ونظيره قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) (١). وقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (٢). (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) الّتي قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق.
روي أنّ العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله تعالى فيها ، فنزلت.
(وَرِيشاً) ولباسا يتجمّلون به. والريش الجمال ، استعير من ريش الطير ، لأنّه لباسه وزينته. والمعنى : أنزل عليكم لباسين : لباسا يواري عوراتكم ، ولباسا يزينكم. وقيل : مالا ، ومنه تريّش الرجل إذا تموّل.
(وَلِباسُ التَّقْوى) وهو الورع وخشية الله. وقيل : الإيمان. وقيل : السمت الحسن. وقيل : لباس الحرب ، من الدروع والمغافر وغيرهما ممّا يتّقى به في الحرب. وقيل : ستر العورة. ولا مانع من حمل ذلك على الجميع. ورفعه بالابتداء ، وخبره (ذلِكَ خَيْرٌ). أو خبره «خير» ، و «ذلك» صفته ، كأنّه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير. وفي هذه الإشارة تعظيم لباس التقوى. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي : ولباس بالنصب ، عطفا على «لباسا».
(ذلِكَ) أي : إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالّة على فضله ورحمته على عباده (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فيعرفون نعمته. أو يتّعظون فيتورّعون عن القبائح.
وفي الكشّاف : «هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدوّ السوءة وخصف الورق عليها ، إظهارا للمنّة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهانة الفضيحة ، وإشعارا بأنّ التستّر باب عظيم من أبواب التقوى» (٣).
__________________
(١) الزمر : ٦.
(٢) الحديد : ٢٥.
(٣) الكشّاف ٢ : ٩٧.