أرسله إلى الخلق ، لا كما زعمت الفرقتان المبطلتان. (وَكَلِمَتُهُ) فإنّه حصل بكلمته الّتي هي قوله : «كن» (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أوصلها إليها وحصّلها فيها (وَرُوحٌ مِنْهُ) وذو روح صدر منه ، لا بتوسّط يجري مجرى الأصل والمادّة له ، كما قال في الجامع (١) والكشّاف (٢) : «قيل لعيسى : كلمة الله وكلمة منه ، لأنّه وجد بكلمته وأمره من غير واسطة أب ولا نطفة. وقيل له : روح الله وروح منه كذلك ، لأنّه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح ، كالنطفة المنفصلة من الأب الحيّ ، وإنّما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته خالصة».
وقيل : سمّي روحا لأنّه كان يحيي الأموات أو القلوب.
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي : الآلهة ثلاثة : الله ، والمسيح ، ومريم. ويشهد عليه قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٣) أو : الله ثلاثة ، إن صحّ أنّهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم : الأب ، والابن ، وروح القدس. ويريدون بأقنوم الأب الذات ، وبأقنوم الابن العلم ، وبأقنوم روح القدس الحياة. والأقنوم بمعنى الأصل. (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) نصبه لما سبق من قوله : «فآمنوا خيرا لكم».
(إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي : واحد بالذات لا تعدّد فيه بوجه مّا (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أسبّحه تسبيحا من أن يكون له ولد ، فإنّه يكون لمن يعادله مثل ، ويتطرّق إليه فناء (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا وخلقا ، لا يماثله في ذلك شيء فيتّخذه ولدا (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) يكل إليه الخلق أمورهم ، فهو الغنيّ عنهم ، وهم الفقراء إليه. وهذا تنبيه على غناه عن الولد ، فإنّ الحاجة إليه ليكون
__________________
(١) جوامع الجامع ١ : ٣٥٢.
(٢) الكشّاف ١ : ٥٩٣.
(٣) المائدة : ١١٦.