وبعد : فلو كانت
الرواية على ما أوردته لم يكن لك فيها حجّة ، لأنّ الخبر إِذا خالف ما دلّ عليه القرآن ، وجب إِطراحه والمصير إِلى القرآن دونه ، ولو سلّمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه ، كان لنا أن نقول : إِنّ النبيّ صلّی الله عليه
وآله مسح رجليه في وضوئه ، ثمّ غسلهما بعد المسح لتنظيف ، أو تبريد ونحو ذلك ممّا ليس هو داخلاً
في الوضوء ، فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله ، إِمّا لأنّه لم يشعر
به لعدم تأمّله ، أو لنسيان اعترضه ، أو لظنّه أنّ المسح لا حكم له ، وأنّ الحكم
للغسل الذي بعده ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وليس هذا بمحال .
فإِن قال : فقد روي عن النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم أنّه قال
: « ويل للأعقاب من النار » فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء
جائزاً ، لَما توعّد على ترك غسله .
قلنا :
ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلّق به ، ولا فيه أيضاً ذكر وضوء فنورده لنحتجّ به ، وليس فيه أكثر من قوله : « ويل للأعقاب من النار » .
فإِن قال : قد روي أنّه رآها تلوح فقال : « ويل للأعقاب من النار »
.
قيل له :
وليس لك في هذا أيضاً حجّة ، ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة .
وبعد : فقد يجوز أن
يكون رأى قوماً غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضاً عن
مسحها ، ورأى أعقابهم يلوّح عليها الماء ، فقال : « ويل للأعقاب من النار » .
ويجوز أيضاً أن يكون
رأى قوماً اغتسلوا من جنابة ، ولم يغمس الماء جميع أرجلهم ، ولاحت أعقابهم بغير ماء ، فقال : « ويل للأعقاب من النار » .
ويمكن أيضاً أن يكون
ذلك في الوضوء لقوم من طغام العرب مخصوصين ،
______________________________