وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «لا ينبغى لأحد أن يقول إنى أعبد من داود».
ثم عدد سبحانه نعمه عليه فقال :
(١) (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أي إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه حين إشراق الشمس وآخر النهار ، وتسبيحها معه تقديسها لله بحال تليق بها ، وتخصيص هذين الوقتين بالذكر يدل على اختصاصهما بمزيد شرف العبادة فيهما ، فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات.
(وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) أي وسخرنا له الطير حال كونها محبوسة في الهواء تسبح بتسبيحه ، فإذا مر به الطير وهو سابح في الهواء وسمعه يترنم بقراءة الزبور يقف ويسبح معه.
وفي هذا إيماء إلى ما لداود من حسن الترتيل والصوت المتقبّل الذي يعجب به الحيوان الأعجم ، فما بالك بالإنسان؟
ثم أكد ما سلف من تسخيرها له فقال :
(كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أي كل من الجبال والطير مطيع مرجاع إلى أمره يسبح تبعا له (٢) (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قوينا ملكه بكثرة الجند وبسطة الثراء والهيبة ونفوذ الكلمة والنصر على الأعداء (٣) (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي وأعطيناه العلم الكامل ، والإتقان للعمل ، فهو لا يقدم على عمل إلا إذا عرف موارده ومصادره ، مباديه وغاياته على نحو ما قال الشاعر :
قدّم لرجلك قبل الخطو موضعها |
|
فمن علا زلقا عن غرّة زلجا |
(٤) (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي وألهمناه حسن الفصل في الخصومات بما يستبين به وجه الحق بلا جنف ولا ميل مع الهوى ، وهذا يحتاج إلى فضل كبير في العلم ، ومزيد فى الحلم ، وتفهم أحوال الخصوم ، ورباطة الجأش ، وعظيم الصبر ، والذكي لذى لا يتوافر لكثير من الناس.