المعنى الجملي
اعلم أن موسى عليه السلام لما سأل ربه أمورا ثمانية وكان قيامه بما كلّف به لا يتم على الطريق المرضىّ إلا إذا أجابه إليها ـ لا جرم أجابه الله تعالى إلى ما طلب ، ليكون أقدر على الإبلاغ على الوجه الذي كلّف به ، ثم ذكّره بنعمه السالفة حين كانت أمه ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه ، فألهمها أن تصنع تابوتا وتضعه فيه وتلقيه فى النيل ففعلت ، فألقاه النيل فى الساحل ، فالتقطه آل فرعون وربّوه فى منزلهم ، وألقى الله محبة فى قلوبهم له وصار كأنه ابنهم ، ثم ذكّره بنجاته من القصاص حين قتل المصري وهرب إلى مدين.
الإيضاح
(قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) أي قال الله تعالى لموسى : قد أعطيتك جميع ما سألتنى عنه من شرح صدرك ، وتيسير أمرك ، وحل عقدة لسانك ، وجعل أخيك هارون وزيرا لك ، وشد أزرك به ، وإشراكه فى الرسالة معك.
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) أي ولقد تفضلنا عليك من قبل بنعم كثيرة ، ومن راعى مصلحتك قبل سؤلك ، وأعطاك ما ترجو ، أفيمنع عنك ما تريد بعد سؤالك؟
ومن رقى بك إلى مراتب الكمال ، وصعد بك فى أوج المعالي ، وسما بك إلى درجات الرفعة. ووكل إليك ذلك المنصب الخطير ، أفيليق به وهو الجواد الكريم أن يحجز عنك ما تؤمّل مما أنت فى شديد الحاجة إليه لتبليغ رسالته؟.
وفى التعبير عن تلك النعم بالمنن إيماء إلى أنها إنما وصلت إليه بمحض التفضل والإحسان.
وقد عد سبحانه من تلك النعم ثمانيا فقال :
(١) (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ