الدليل الناسخ ،
فيكشف عن المراد من الدليل الأوّل ويفسّره ، بل الدوام من اقتضاء نفس ثبوت الحكم
من دون أن يكون لفظ دليل الحكم دالاّ عليه بعموم أو إطلاق. يعني : أنّ الحكم
المنشأ ـ لو خلّي وطبعه مع قطع النظر عن دلالة دليله ـ لدام واستمرّ ما لم يأت ما
يزيله ويرفعه ، كسائر الموجودات التي تقتضي بطبيعتها الاستمرار والدوام.
٤.
وقيل : «إنّ كلام الله (تعالى)
قديم ، والقديم لا يتصوّر رفعه».
والجواب : ـ بعد تسليم هذا الفرض وهو قدم كلام الله ـ : أنّ هذا يختصّ بنسخ التلاوة ، فلا يكون دليلا على بطلان أصل النسخ. مع أنّه
قد تقدّم من نصّ القرآن الكريم ما يدلّ على إمكان نسخ التلاوة ، وإن لم يكن صريحا
في وقوعه ، كقوله (تعالى) : (وَإِذا بَدَّلْنا
آيَةً مَكانَ آيَةٍ ...) ، فهو إمّا أن يدلّ على أنّ كلامه (تعالى) غير قديم ، أو
أنّ القديم يمكن رفعه. مضافا إلى أنّه ليس معنى نسخ التلاوة رفع أصل الكلام ، بل
رفع تبليغه ، وقطع علاقة المكلّفين بتلاوته.
وقوع نسخ القرآن ،
وأصالة عدم النسخ
هذا هو الأمر الذي
يهمّنا إثباته من ناحية أصوليّة. ولا شكّ في أنّه قد أجمع علماء الأمّة الإسلاميّة
على أنّه لا يصحّ الحكم بنسخ آية من القرآن إلاّ بدليل قطعيّ ، سواء كان بقرآن
أيضا ، أو بسنّة ، أو بإجماع ، كما أنّه ممّا أجمع عليه العلماء أيضا أنّ في القرآن
الكريم ناسخا ومنسوخا. وكلّ هذا قطعيّ لا شكّ فيه.
ولكنّ الذي هو
موضع البحث والنظر تشخيص موارد الناسخ والمنسوخ في القرآن. وإذا لم يحصل القطع
بالنسخ بطل موضع الاستدلال عليه بالأدلّة الظنّيّة ، للإجماع المتقدّم.
__________________