يكون الموضوع له موجودا ذهنيّا ، فيكون جميع القضايا ذهنيّة ، فلو جعل اللفظ بما له من معناه موضوعا في القضية الخارجيّة أو الحقيقيّة ، وجب تجريده عن هذا القيد الذهنيّ ، فيكون مجازا دائما في القضايا المتعارفة. وهذا يكذّبه الواقع.
ولكن نحن قلنا : إنّ هذا الإيراد إنّما يتوجّه إذا جعل الاعتبار قيدا في الموضوع له. أمّا لو جعل الاعتبار مصحّحا للوضع ، فلا يلزم هذا الإيراد كما سبق.
هذا قول القدماء ، وأمّا المتأخّرون ابتداء من سلطان العلماء قدسسره فإنّهم جميعا اتّفقوا على أنّ الموضوع له ذات المعنى ، لا المعنى المطلق حتّى لا يكون استعمال اللفظ في المقيّد مجازا. وهذا القول بهذا المقدار من البيان واضح. ولكنّ العلماء من أساتذتنا اختلفوا في تأدية هذا المعنى بالعبارات الفنّيّة ممّا أوجب الارتباك على الباحث وإغلاق طريق البحث في المسألة. لذلك التجأنا إلى تقديم المقدّمتين السابقتين لتوضيح هذه الاصطلاحات والتعبيرات الفنّيّة التي وقعت في عباراتهم. واختلفوا فيها على أقوال :
١. منهم من قال : إنّ الموضوع له هو الماهيّة المهملة المبهمة ، أي الماهيّة من حيث هي (١).
٢. ومنهم من قال : إنّ الموضوع له الماهيّة المعبّرة باللاشرط المقسميّ (٢).
٣. ومنهم من جعل التعبير الأوّل نفس التعبير الثاني (٣).
٤. ومنهم من قال : إنّ الموضوع له ذات المعنى ، لا الماهيّة المهملة ، ولا الماهيّة المعبّرة باللابشرط المقسميّ ، ولكنّه ملاحظ حين الوضع باعتبار «اللابشرط القسميّ» على أن يكون هذا الاعتبار مصحّحا للموضوع ، لا قيدا للموضوع له (٤). وعليه ، يكون هذا القول نفس قول القدماء على التصوير الثاني إلاّ أنّه لا يلزم منه أن يكون استعمال اللفظ في المقيّد
__________________
(١) هذا ما قال به المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٣٤٧. وهو الظاهر أيضا من كلام المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٨٢ ، حيث قال : «ولا ريب أنّها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ...». اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مراده من الماهيّة المبهمة المهملة هو الماهيّة اللابشرط المقسميّ.
(٢) وهو المنسوب إلى سلطان العلماء. راجع فوائد الأصول ٢ : ٥٧٠ و ٥٧٢.
(٣) وهو المحقّق النائينيّ ، حيث قال : «فلا بدّ أن يكون موضوعا لجامع بينهما ، وليس ذلك إلاّ اللابشرط المقسميّ ، وهو الماهيّة المبهمة المهملة القابلة للانقسامات». فوائد الأصول ٢ : ٥٧٢.
(٤) وهذا ما ذهب إليه المصنّف في المقام.