وصل إلى فراخه. فوجه سليمان مع العقاب نفرا من الجن حتى أتوه به منه قدر ما
علم أن فيه كفاية ، واستعمل ذلك في أدوات الصناعين ، فسهل عليهم نحتها من غير
تصويت وهو الحجر الذي يستعمل في نقش الخواتيم وثقب الجواهر إلى اليوم ، وهو حجر
عزيز ثمين.
قال : فبنى
سليمان عليهالسلام المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وعمّده
بأساطين المها الصافي ، وسقفه بألواح الجواهر الثمنية وفصّص سقوفه وحيطانه باللآلئ
واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج ، فلم يكن يومئذ بيت في
الأرض أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر.
فلما فرغ منه
جمع إليه أخيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله وأنّ كل شيء فيه خالص لله ،
واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا.
وقالوا : من
أعاجيب ما اتخذ سليمان عليهالسلام ببيت المقدس أن بنى بيتا وطيّن حائطه بالخضرة وصقله ،
فكان إذا دخله الورع البرّ استبان خياله في ذلك الحائط أبيض ، وإذا دخله الفاجر
استبان فيه خياله أسود. فارتدع عند ذلك كثير من الناس عن الفجور والخيانة.
ونصب في زاوية
من زوايا المسجد عصا أبنوس ، فكان من مسها من أولاد الأنبياء لم يضره مسها ، ومن
مسها من غيرهم احترقت يده.
وروى الأوزاعي
عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثا
فأعطاه اثنين وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الله الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه
فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي
هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلّا خرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه وأنا أرجو
أن يكون قد أعطاه ذلك» [٣١] .
قالوا : فلم
يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان عليهالسلام حتى غزا نبوخذ نصر فخرب المدينة وهدمها ، ونقض المسجد ،
وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ،
فحمله معه إلى دار مملكته من أرض العراق.
قال سعيد بن
المسيب : لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس تغلّقت أبوابه ، فعالجها سليمان فلم
تنفتح ، حتى قال في دعائه : «بصلوات أبي داود إلّا فتحت الأبواب».
ففتحت ففرغ له
سليمان عشرة آلاف من قرّاء بني إسرائيل : خمسة آلاف بالليل ، وخمسة آلاف بالنهار ،
فلا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلّا والله يعبد فيها.
__________________