التقية ، ويشنّعون هذا عليهم على حدة ، وينسبونهم إلى ترك الواجبات وفعل المحرّمات من جهة التقيّة التي لا تصير عذرا عندهم ، فلو كان تركهم الجمعة للتقيّة لكانوا يشنّعون عليهم بما كانوا يشنّعون عليهم من أنّهم يتركون الفريضة من جهة التقيّة التي ليست بعذر ، لا أنّهم لا يقولون بل ويحرّمون.
وينادي إلى ذلك أنّ علماء الشيعة في الأزمنة مع كونهم في غاية الاهتمام في دفع المطاعن عن الشيعة ، ما دفعوا عنهم بأنّهم كانوا يتركون الجمعة تقيّة ، وبأنّهم كانوا يصلّونها ، كما كان عادتهم الذبّ عنهم في موضع التقية بأنّهم يتّقون ، وكانوا يشرعون في تصحيح التقيّة ومشروعيّتها ، ويصرّون ويبالغون في ذلك.
وفي المقام الذي كانوا يكذبون على الشيعة ، كان علماؤنا يبالغون في تكذيبهم وإنكارهم ذلك ، وما كانوا يتّقون في أمثال المقامات ، كما أنّهم كانوا يظهرون بطلان مذهب أهل السنّة وإظهار نفاق الخلفاء الثلاثة وكفرهم ومطاعنهم ، وتشييد مذهب الشيعة ، وأنّهم هم الناجون ، إلى غير ذلك.
ومع ذلك في مقام دفع الطعن بترك الجمعة اتّفقوا على القبول وتصديقهم ، وأنّه ليس من جهة التقيّة ، بل من جهة أنّ الجمعة منصب الإمام عليهالسلام ، مع أنّه لا يناسب أن يقال : إنّ تركهم للتقيّة ، مع أنّهم كانوا يرتكبون السبّ وأمثاله ، إلى أن ظهر عليهم وعلى نسائهم وأطفالهم.
مع أنّ معظم العامّة لا يقولون باشتراط إذن السلطان ، كالمالكيّة والشافعيّة والحنابلة (١) ، فكيف كانوا في أمثال السبّ ما كانوا يتّقون؟ وفي هذا الذي معظم العامّة يقولون بجوازه وصحّته كانوا يتّقون.
وظهر ممّا ذكر أنّه يمكن أن يكون ما تضمّن وجوب الجمعة من دون اشتراط
__________________
(١) المجموع للنووي : ٤ / ٥٨٣.