يدعوهم إلى الله ، فأوحى الله عزوجل لما كان آخر زمانه وغرس شجرة [فعظمت وذهبت كلّ مذهب ثمّ قطعها] (١) ويقطع ما يبس منها ، ثمّ جعل يعمل سفينة ويمرون عليه قومه فيسألونه فيقول : أعمل سفينة فيسخرون منه ويقولون : يعمل سفينة في البر فكيف تجري؟ فيقول : فسوف تعلمون ، فلمّا فرغ منها (وَفارَ التَّنُّورُ) وكثر الماء في السكك ، خشيت أمّ صبي عليه وكانت تحبّه حبّا شديدا ، فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه ، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى صعدت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء ، فلو رحم الله أحدا منهم لرحم أمّ الصبي» [٩٧] (٢).
وروى علي بن زيد بن صوحان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم عليه
الصلاة والسلام : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فيحدّثنا عنها ، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفّا من ذلك التراب بكفّه قال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كفن حام بن نوح ، قال : فضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب ، قال له عيسى : هكذا هلكت؟
قال : لا بل متّ وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثمّ شبت ، قال : حدّثنا عن سفينة نوح ، قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلمّا كثرت فضلات الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل ، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث ، فلمّا وقع الفار بحوض السفينة وحبالها فقرضها ، وذلك أن الفار ولدت في السفينة فأوحى الله تعالى إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وهرّة فأقبلا على الفار.
فقال له عيسى : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت ، ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت قال : فطوّقها بالحمرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في قصر بأمان (٣) فمن ثم تألف البيوت.
قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدّثنا؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له؟ فقال له : عد بإذن الله ، قال : فعاد ترابا (٤).
__________________
(١) زيادة عن الطبري.
(٢) تفسير الطبري : ١٢ / ٤٦٦.
(٣) في تفسير الطبري : أنس وأمان.
(٤) تفسير الطبري : ١٢ / ٤٧.