إذا كانت الصدقة في مصلحة عامة ـ إذ أن كل عمل لا يؤدى إلى الغاية منه فقد حبط وبطل كأن لم يكن ، فما بالك إذا أتبع بضد الغاية ونقيضها؟.
ونحو ذلك ما يقال : إن صلاة المرائى باطلة ، على معنى أن الغرض منها وهو توجه القلب إلى الله واستشعار سلطانه والإذعان لعظمته والشكر لإحسانه لم يحصل ، لأن قلب المرائى إنما يتوجه إلى من يرائيه لا إلى ذى العظمة والجبروت ، والملك والملكوت.
وفي ذلك مبالغة أيّما مبالغة في التنفير عن هاتين الرذيلتين اللتين قد أولع الناس بهما ؛ فالنفوس مغرمة بذكر ما يصدر منها من الإحسان تمدحا وتفاخرا ، وذلك طريق إلى المن والإيذاء ، ولا سيما إذا آنس المتصدق تقصيرا في شكر الناس له على صدقته ، أو احتقارا لها ، فهو حينئذ لا يكاد يملك نفسه عن المنّ والأذى.
(كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي لا تبطلوا صدقاتكم بإحدى هاتين الرذيلتين فتكونوا مشبهين من ينفق ماله مرائيا الناس : أي لأجل أن يروه فيحمدوه ، لا لابتغاء مرضاة الله بتحرّى ما حث عليه من رحمة عباده الضعفاء والمعوزين ، وترقية شأن الأمة بما يصلح شئونها ، وهو لا يؤمن بالله واليوم الآخر حتى يرجو ثوابا أو يخشى عقابا.
والخلاصة ـ إن كلا من المرائى وذى المن والأذى أتى بعمل غير مقبول ولا صحيح بل هو باطل ومردود عليه.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) أي إن صفة عمل المنافق المرائى كصفة تراب على حجر أملس نزل عليه ماء مطر شديد ، فأزاله وترك الحجر صلدا نقيا لا تراب عليه.
والوجه المشترك بينهما ، أن الناس يرون أن لهؤلاء المرائين أعمالا كما يرى التراب على الصفوان ، فإذا جاء يوم القيامة وصاروا إلى الله اضمحل ذلك كله وذهب ، لأنه لم يكن لله ، كما يذهب الوابل من المطر ما كان على الصفوان ، فيتركه أملس لا شىء عليه