للمعجزات لم يفهم ، لأن كل الاختراعات العلمية تبنى على السنن الطبيعية ، وكلها مبنية على قواعد علمية لا تتغير ، فإذا ظهر لها استثناء فإن سببه هو قاعدة علمية أخرى يبحث العالم عنها حتى يجدها ، فإن وجدها لا تنطبق على كل الاستثناءات وجد الخوارج عن هذه الاستثناءات محكومة بسنة أخرى ، وهكذا إلى ما لا نهاية ؛ فالسنن الإلهية أو القواعد العلمية أو قواعد الطبيعة ـ كما يسميها الطبيعيون ـ لا حدّ لها ولا تتغير أبدا وما لا ينطبق على القاعدة الأصلية ينطبق حتما على قاعدة أخرى وعلى قواعد لا تتغير أبدا ، وكل ما يظهر مدهشا في نتيجته من المخترعات مثل الكهرباء والتليفون والراديو وما سيظهر ـ هو من الاستعانة بهذه القواعد ؛ فالذى يتكلم في أوربا ويسمعه آخر فى مصر بواسطة الراديو استطاع ذلك ، لأن الهواء بطبيعته يحمل الصوت بصفة أمواج إلى العالم كله ، فاستعان العلماء بهذه السنة الطبيعية وسحروها لأغراضهم ، ولذلك مهما عظمت النتائج في المخترعات ، فإن طريق الوصول إليها سنة ثابتة ، ومثلها مثل من يحفر الأرض ويستعين بماء المطر ويحوّله نهرا يجرى ، فإنه لم يخلق نهرا ولكنه استعان بالقوى الطبيعية ، بعكس المعجزات فإنها من طراز آخر ، وهى مهما صغرت نتائجها خلق سنة جديدة ، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.
ولزيادة الإيضاح أضرب مثلا قصة سيدنا إبراهيم وعدم احتراقه بالنار ، فإن العلم بتقدمه يستطيع أن يغطى الإنسان بشىء غير قابل للاحتراق ويضعه في النار فلا يحترق ، وهذا يشبه المعجزة ولكنه اختراع استعان صاحبه فيه بالنواميس الطبيعية.
أما المعجزة فهى أن تضع الإنسان كما هو جسما ولحما في النار فلا يحترق ، فيكون عدم احتراقه حينئذ هو المعجزة ، وهى خرق للسنة الطبيعية التي تقضى باحتراق الجسم متى وضع في النار.
وأما تغطية الجسم لمنع اتصال النار به ، فإنه يظهر أن المخترع أمكنه منع النار من إحراقه ، ولكنه في الحقيقة منع النار من إحراق الجسم الخارجي الذي لا يقبل الاحتراق بطبيعته لأن جسم الإنسان المغطى بمادة لا تحترق لم يتعرض للنار ، والفرق