.................................................................................................
______________________________________________________
العود والرجوع (١).
ولا يخفى غرابة هذا الحمل ، إذ كيف يمكن القول بالتخيير لمن كان قريباً ، وأمّا البعيد فليس له التخيير.
والصحيح أن يقال في معنى الحديث : إنّ حرف «أو» وإن كان ظاهراً في التخيير ولكن الظاهر من «أو» هنا عطفها على الجزاء والشرط معاً ، وليست معطوفة على الجزاء فقط ، فالمعنى أن من مضى وخرج قليلاً إن كان متمكناً من الرجوع فليصلّ وإن لم يتمكّن من الرجوع فيستنيب ، وهذا النحو من الاستعمال شائع ، نظير ما إذا قيل : إذا دخل الوقت توضأ أو تيمم ، يعني إذا دخل الوقت وكان متمكناً من الماء يتوضأ وإن دخل الوقت ولم يكن متمكناً من الماء يتيمم ، وكذا يقال : إذا عندك مال فاكتر سيّارة لزيارة الحسين (عليه السلام) أو امش ، فان معناه ليس إذا كان عندك مال فامش ، بل المعنى إذا كان عندك مال فاكتر سيارة ، وإن لم يكن لك مال فامش.
والحاصل : أن المكلف له حالتان ، إما قريب فيعود فيصلي بنفسه ، وإن لم يكن قريباً فيستنيب. ويدلُّ عليه أيضاً صحيح أبي بصير المتقدم (٢) الوارد في الارتحال.
وأُخرى : يصعب عليه الرجوع فحينئذ يصلي في مكانه ، لصحيح أبي بصير وصحيح معاوية بن عمار «فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال : فليصلهما حيث ذكر» (٣) بعد تقييده بالمشقة لصحيح أبي بصير ، وكذا معتبرة حنان بن سدير قال «زرت فنسيت ركعتي الطّواف فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو بقرن الثعالب فسألته فقال : صلّ في مكانك» (٤) فإنها محمولة على المشقة وصعوبة العود لصحيح أبي بصير. وقرن الثعالب اسم آخر لقرن المنازل الذي هو ميقات الطائف ونجد ، وهو على مرحلتين من مكة.
فالمستفاد من هذه الروايات جواز الصلاة في مكان التذكر إذا كان الرجوع عليه
__________________
(١) الحدائق ١٦ : ١٤٥.
(٢) في الصفحة السابقة.
(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٢ / أبواب الطّواف ب ٧٥ ح ١٨.
(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣٠ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١١.