عدو أو لدغ أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلته أو غيرها من الاعذار ، فإنه يقيم مكانه على إحرامه ويبعث بهديه أو من الهدي فإذا نحر الهدي حل من إحرامه ، هذا قول إبراهيم النخعي والحسن ومجاهد وعطاء وقتادة وعروة بن الزبير ومقاتل والكلبي ومذهب أهل العراق ، واحتجوا في أن الإحصار في كلام العرب هو صنع العلة من المرض وأشباهه غير القهر والغلبة ، فأما منع العدو بالحبس والقهر من سلطان قاهر فإن ذلك حصر لا إحصار ، كذا قال : الكسائي وأبو عبيدة والفراء قالوا : ما كان من مرض وذهاب نفقه قيل فيه حصر فهو محصر ، وما كان من خشية عدو أو سجن قيل فيه حصر فهو محصور ، يدلّ عليه قوله تعالى (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي محبسا ، قالوا : وإنما جعلنا حبس العدو إحصارا قياسا على المرض ، إذ كان في حكمه [فلا دلالة] (١) ظاهرة.
وقال الآخرون : بالأخرى أن يمنع عدو أو قاهر من بني آدم من الوصول إلى البيت ، وأمّا المرض وسائر الاعذار فغير داخل في هذه الآية.
هذا قول ابن عمر وابن عبّاس وعبد الله بن الزبير وسعد بن المسيب وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب ومذهب الشافعي وأهل المدينة فاحتجوا بأن نزول هذه الآية في قصة الحديبية وذلك إحصار عدو ، يدلّ عليه قوله في سياق الآية (فَإِذا أَمِنْتُمْ) ولا يكون إلا من الخوف
وفي الحديث : «لا حصر إلّا من حبس عدو» [٨٤] (٢).
وقال ثعلب : تقول العرب حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور ، وأحصره العدو إذا منعه من السير فهو محصر ، وذكر يونس عن أبي عمرو قال : إذا منعته من كل وجه فقد أحصرته.
قال الشافعي : فإذا أحصر بعدوّ كافر أو مسلم أو سلطان يحبسه في سجن نحر هديا لإحصاره حيث أحصر في حلّ أو حرم وحلّ من إحرامه ولا شيء إلّا أن يكون واجبا فيقضي فإذا لم يجد هديا يشتريه أو كان فقيرا ففيه قولان أحدهما : لا حلّ إلّا لهدي.
والآخر : حلّ إذا لم يقدر عليه وأتى به إذا قدر عليه.
وقال بعض الفقهاء : إذا لم يعتبر اجزاؤه وعليه طعام أو صيام وكلما وجب على المحرم في ماله من بدنه وجزاء وهدي وصدقة فلا يجزي إلّا في الحرم لمساكين أهلها إلّا في موضعين أحدهما : دم المحصر في العدو فإنه ينحر حيث حبس ويحل.
والآخر : من ساق هديا لغرض فعطب في طريقه فذبحه وخلى بينه وبين المساكين لم يجز له ولا لرؤسائه أن يأكلوا منه شيئا وإن كانوا مساكين.
__________________
(١) هكذا في الأصل.
(٢) تفسير الطبري : ٢ / ٢٩٣.