أودعها من العلوم مجموع في هذه السورة ؛ فهي أصل لها كالأم للطفل ، وقيل : سمّيت بذلك ؛ لأنها أفضل سور القرآن كما أن مكة سميت أم القرى لأنها أشرف البلدان. وقيل : سمّيت بذلك لأنها مقدّمة على سور القرآن ، فهي أصل وإمام لما يتلوها من السور ، كما أن أم القرى أصل جميع البلدان دحيت الأرض من تحتها. وقيل : سمّيت بذلك لأنها مجمع العلوم والخيرات ، كما أن الدماغ يسمى أمّ الرأس ؛ لأنها مجمع الحواس والمنافع.
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد المفسّر يقول : سمعت أبا بكر القفّال يقول : سمعت أبا بكر البريدي يقول : الأم في كلام العرب : الراية ينصبها العسكر.
قال قيس بن الخطيم :
نصبنا أمّنا حتى ابذعرّوا |
|
وصاروا بعد إلفتهم شلالا |
فسمّيت أم القرآن ؛ لأن مفزع أهل الإيمان إليها كمفزع العسكر إلى الراية. والعرب تسمي الأرض أمّا ؛ لأنّ معاد الخلق إليها في حياتهم وبعد مماتهم ، قال أمية بن أبي الصلت :
والأرض معقلنا وكانت أمّنا |
|
فيها مقابرنا وفيها نولد (١) |
وأنشدني أبو القاسم قال : أنشدنا أبو الحسين المظفّر محمد بن غالب الهمداني قال : أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال : أنشدنا أبي قال : أنشدني أحمد بن عبيدة :
نأوي إلى أمّ لنا تعتصب |
|
كما ولها أنف عزيز وذنب |
وحاجب ما إن نواريها الغصب |
|
من السحاب ترتدي وتنتقب (٢) |
يعني : نصبه كما وصف لها. وسميت الفاتحة أمّا لهذه المعاني. وقال الحسين بن الفضل : سميت بذلك ؛ لأنها إمام لجميع القرآن تقرأ في كل [صلاة و] (٣) تقدم على كل سورة ، كما أن أمّ القرى إمام لأهل الإسلام. وقال ابن كيسان : سميت بذلك ؛ لأنها تامة في الفضل.
والرابع : السبع المثاني ، وسيأتي تفسيره في موضعه إن شاء الله.
والخامس : الوافية ، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري ، حدّثنا أبي عن أمّه عن محمد بن نافع السنجري ، حدّثنا أبو يزيد محبوب الشامي ، حدّثنا عبد الجبار بن العلاء قال : كان يسمي سفيان بن عيينة فاتحة الكتاب : الوافية ، وتفسيرها لأنها لا تنصف ولا تحتمل الاجتزاء إلّا أن كل سورة من سور القرآن لو قرئ نصفها في ركعة والنصف الآخر في ركعة كان جائزا ، ولو نصفت الفاتحة وقرئت في ركعتين كان غير جائز.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١ / ١١٢.
(٢) لسان العرب : ١٥ / ١٦٨ باختصار.
(٣) بياض في مصوّرة المخطوط ، والأقرب ما أثبتناه.