الأفراد المادّيّة التي تسوقها من القوّة إلى الفعل ، لا جواز صدقه على كثيرين.
وفيه : أنّ أفعال كلّ نوع وآثاره مستندة إلى صورته النوعيّة ، ولولا ذلك لم يتميّز نوع جوهريّ من نوع آخر مثله ، والدليل على الصورة النوعيّة الآثار المختصّة بكلّ نوع التي تحتاج إلى ما تقوم به وتستند إليه فيكون مبدأً قريباً لها.
الثالث (١) : أنّ ذلك ممّا تقتضيه قاعدة إمكان الأشرف ، وهي قاعدة مبَرْهن عليها ، فإذا وجد ممكن هو أخسّ وجوداً من ممكن آخر وجب أن يكون الممكن الذي هو أشرف منه موجوداً قبله ، ولا ريب أنّ الإنسان الذي هو بالفعل في جميع الكمالات الإنسانيّة مثلا أشرف وجوداً من الإنسان المادّيّ الذي هو بالقوّة بالنسبة إلى أكثر الكمالات الإنسانيّة ، فوجود الإنسان المادّيّ دليل على وجود مثاله العقليّ قبله. وكذلك الأفراد المادّيّة لكلّ نوع مادّيّ وجودها دليل على وجود ربّ نوعها قبلها ، وهو فردٌ من النوع مجرّدٌ في أوّل وجوده ، له فعليّة في جميع كمالات النوع مُخرِجٌ لسائر الأفراد من القوّة إلى الفعل ، مدبِّرٌ لها.
وفيه : أنّ جريان قاعدة إمكان الأشرف مشروطٌ بكون الأخسّ والأشرف داخلَيْن تحت ماهيّة نوعيّة واحدة حتّى يدلّ وجود الأخسّ في الخارج على إمكان الأشرف بحسب ماهيّته ، ومجرّد صدْقِ مفهوم على شيء لا يدلّ على كون ذلك الشيء فرداً لذلك المفهوم حقيقةً ، كما أنّ كلَّ علّة موجودة واجدةٌ لجميع كمالات المعلول التي بها ذلك المعلول هو هو ، ولا يجب مع ذلك أن تكون علّة كلّ شيء متّحدةَ الماهيّة مع معلولها؛ فكون الكمال الذي به الإنسان إنسان ـ مثلا ـ موجوداً لشيء ، وانطباقه عليه لا يكشف عن كونه فرداً لماهيّة الإنسان لمجرّد كونه واجداً لذلك. وبعبارة اُخرى : صدْقُ مفهومِ الإنسان على الإنسان الكلّيّ الذي نعقله ، لا يدلّ على كون معقولنا فرداً للماهيّة النوعيّة الإنسانيّة ، لِمَ لا يجوز أن يكون واحداً من العقول الطوليّة التي هي في سلسلة عِلَلِ الإنسان القريبة أو
__________________
(١) هذا الدليل أيضاً أقامه الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ص ١٤٣ ، وراجع شرح حكمة الإشراق ص ٣٤٨ ـ ٣٤٩.