فالحقّ أنّ تعريفَهما بما عُرِّفا به تعريفٌ لفظيٌّ يراد به التنبيه على معناهما وتمييزه من بين المعاني المخزونة عند النفس (١).
فالواحد هو : «الذي لا ينقسم من حيث إنّه لا ينقسم» ، والتقييد بالحيثيّة ليندرج فيه الواحد غير الحقيقيّ الذي ينقسم من بعض الوجوه (٢) ، والكثير هو : «الذي ينقسم من حيث إنّه ينقسم».
فقد تحصّل أنّ الموجود ينقسم إلى الواحد والكثير ، وهما معنيان متباينان تبايُنَ أحد القسمين للآخر.
تنبيهٌ :
قالوا : «إنّ الوحدةَ تُساوِق الوجود» (٣) ، فكلُّ موجود فهو واحدٌ من جهة أنّه موجودٌ ، حتّى أنّ الكثرة الموجودة ـ من حيث هي موجودة ـ كثرةٌ واحدةٌ ، كما يشهد بذلك عَرْض العدد لها والعدد مؤلَّف من آحاد ، يقال : كثرة واحدة وكثرتان وكثرات ثلاث ، وعشرة واحدة وعشرتان وعشرات ثلاث ، وهكذا.
وربّما يتوهّم (٤) أنّ انقسام الموجود إلى الواحد والكثير ينافي كون الواحد مساوقاً للموجود ، وذلك أنّ الكثير ـ من حيث هو كثيرٌ ـ موجودٌ لمكان الانقسام المذكور ، والكثير ـ من حيث هو كثير ـ ليس بواحد ، ينتج أنّ بعض الموجود ليس بواحد ، وهو يناقض قولهم : «كلٌّ موجود فهو واحدٌ».
__________________
(١) قال الشيخ الرئيس في الفصل الثالث من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء : «ثمّ يكون تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفاً عقليّاً ، وهنالك نأخذ الوحدة متصوّرةً بذاتها ومن أوائل التصوّر ، ويكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيهاً». وتبعه في ذلك الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٨٤ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣.
(٢) هكذا قال صدرالمتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣ ـ ٨٤ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٢٢٥.
(٣) راجع النجاة ص ١٩٨ ، وكشف المراد ص ٩٩ ، وشوارق الإلهام ص ١٦٩ ، وشرح المواقف ص ١٥١.
(٤) هذا التوهّم تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٩٠ ـ ٩١ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ١٩٢ ـ ١٩٣.