فقلت : بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب! وإنّما طلبت حقّا لى وأنتم تحولون بينى وبينه ، وتضربون وجهى دونه (١) فلمّا قرعته بالحجّة فى الملأ الحاضرين هبّ كأنّه [بهت] لا يدرى ما يجيبنى به! اللّهمّ إنّى أستعينك على قريش ومن أعانهم (٢) فإنّهم قطعوا رحمى ، وصغّروا عظيم منزلتى ، وأجمعوا على منازعتى أمرا هولى ، ثمّ قالوا : ألا إنّ [فى] الحقّ أن تأخذه وفى الحقّ أن تتركه (٣)
منها فى ذكر أصحاب الجمل :
فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه (٤) ، صلى اللّه عليه وآله ، كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة : فحبسا نساءهما فى بيوتهما وأبرزا حبيس
__________________
(١) ضرب الوجه : كناية عن الرد والمنع ، و «وقرعته بالحجة» : من «قرعه بالعصا» ضربه بها ، وهب : من هبب التيس ـ أى : صياحه ـ أى : كان يتكلم بالمهمل مع سرعة حمل عليها الغضب كأنه مخبول لا يدرى ما يقول
(٢) أستعينك : استنصرك وأطلب منك المعونة ، ويروى فى مكانه «أستعديك» أى : أطلب منك أن تعدينى عليهم وأن تنتصف لى منهم
(٣) «ثم قالوا ـ الخ» أى : إنهم اعترفوا بفضله ، وأنه أجدرهم بالقيام به ففى الحق أن يأخذه ، ثم لما اختار المقدم فى الشورى غيره عقدوا له الأمر ، وقالوا للامام : فى الحق أن تتركه ، فتناقض حكمهم بالحقية فى القضيتين ، ولا يكون الحق فى الأخذ إلا لمن توافرت فيه شروطه
(٤) «حرمة رسول اللّه» كناية عن زوجته ، وأراد بها عائشة أم المؤمنين رضى اللّه عنها ، ولا تزال هذه الكناية مستعملة إلى اليوم ، وكذلك قوله «حبيس رسول اللّه» كناية عنها