فى أغباش الفتنة ، عم بما فى عقد الهدنة (١) قد سمّاه أشباه النّاس عالما وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر (٢) حتّى إذا ارتوى من آجن ، واكتنز من غير طائل (٣) ، جلس بين النّاس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره (٤) ، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه ، ثمّ
__________________
وأوضعه راكبه فهو موضع به ، أى : مسرع به. وقوله «عاد فى أغباش الفتنة» الاغباش : الظلمات ، واحدها غبش بالتحريك ، وأغباش الليل بقايا ظلمته. وعاد : بمعنى مسرع فى مشيته ، أى : أنه ينتهز افتتان الناس بجهلهم وعماهم فى فتنتهم فيعدو إلى غايته من التصدر فيهم والسيادة عليهم بما جمع مما يظنه الجهلة علما وليس به ، ويروى «غار فى أغباش الفتنة» : من «غره يغره» إذا غشه وهو ظاهر
(١) عم : وصف من العمى ، أى : جاهل بما أودعه اللّه فى السكون والاطمئنان من المصالح ، وقد يراد بالهدنة إمهال اللّه له فى العقوبة وإملاؤه فى أخذه ، ولو عقل ما هيأ اللّه له من العقاب لأخذ من العلم بحقائقه ، وأوغل فى النظر لفهم دقائقه ، ونصح للّه ولرسوله وللمؤمنين.
(٢) بكر : بادر إلى الجمع كالجاد فى عمله يبكر إليه من أول النهار ، فاستكثر : أى : احتاز كثيرا «من جمع» بالتنوين ، أى : مجموع قليله خير من كثيره ، إن جعلت ما موصولة ، فان جعلتها مصدرية كان المعنى : قلته خير من كثرته. ويروى جمع بغير تنوين ولا بد من حذف على تلك الرواية ، أى : من جمع شىء قلته خير من كثرته
(٣) الماء الآجن : الفاسد المتغير الطعم واللون ، شبه به تلك المجهولات التى ظنها معلومات ، وهى تشبه العلم فى أنها صور قائمة بالذهن فكأنها من نوعه ، كما أن الآجن من نوع الماء ، لكن الماء الصافى ينقع الغلة ويطفىء من الأوار. والآجن يجلب العلة ويفضى بشاربه إلى البوار. واكتنز : أى عد ما جمعه كنزا ، وهو غير طائل ، أى دون ، خسيس.
(٤) التخليص : التبيين ، والتبس على غيره : اشتبه عليه