تجفّ لطول المناجاة أسلات ألسنتهم (١) ، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم (٢) ولم تختلف فى مقاوم الطّاعة مناكبهم (٣) ، ولم يثنوا إلى راحة التّقصير فى أمره رقابهم ، ولا تعدو (٤) على عزيمة جدّهم بلادة الغفلات ، ولا تنتضل فى هممهم خدائع الشّهوات (٥) قد اتّخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم (٦). ويمّموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم (٧) لا يقطعون أمد غاية عبادته ، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته (٨) إلاّ إلى موادّ من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته (٩) لم تنقطع أسباب الشّفقة منهم (١٠) فينوا فى جدّهم (١١) ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السّعى على اجتهادهم (١٢) ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم ، ولو استعظموا
__________________
(١) الأسلات : جمع أسلة ، وأسلة اللسان : طرفه ، أى : لم تيبس أطراف ألسنتهم فتقف عن ذكره
(٢) الهمس : الخفى من الصوت ، والجؤار : رفع الصوت بالتضرع ، أى : لم يكن لهم عن اللّه شاغل يضطرهم للهمس والاخفاء وخفض جؤارهم بالدعاء إليه
(٣) المقاوم : جمع مقام ، والمراد الصفوف
(٤) لا تسطو
(٥) انتضلت الابل : رمت بأيديها فى السير سرعة. وخدائع الشهوات للنفس منها ، أى : لم تسلك خدائع الشهوات طريقا إلى هممهم فتفترها
(٦) حاجتهم
(٧) يمموه : قصدوه بالرغبة والرجاء عند ما انقطعت الخلق سواهم إلى المخلوقين
(٨) الاستهتار : التولع
(٩) مواد : جمع مادة ، أصلها من «مد البحر» إذا زاد ، وكل ما أعنت به غيرك فهو مادة ، ويريد بها البواعث المعينة على الأعمال ، أى : كلما تولعوا بطاعته زادت بهم البواعث عليها من الرغبة والرهبة
(١٠) الشفقة : الخوف
(١١) ونى ينى : تأنى
(١٢) وشيك السعى : مقاربه وهينه ، أى : إنه لا طمع فى غيره فيختاروا هين السعى