الحكمان الضالاّن على حدّ تعبير النّبي (صلّى الله عليه وآله) (١) في دومة الجندل أو في أذرح. ويقول المؤرّخون : إنّ ابن العاص لمْ يفتح الحديث مع الأشعري ثلاثة أيّام ، فقد أفرد له مكاناً خاصاً ، وجعل يقدّم له أطائب الطعام والشراب حتّى استبطنه وأرشاه ، ولمّا أيقن أنّه صار ألعوبة بيده أخذ يضفي عليه النعوت الحسنة والألقاب الكريمة حتّى ملك مشاعره وعواطفه ، فقد قال له : يا أبا موسى ، إنّك شيخ أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله) وذو فضله ، وذو سابقته ، وقد ترى ما وقعت فيه هذه الأُمّة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها ، فهل لك أنْ تكون ميمون هذه الأُمّة فيحقن الله بك دماءها ، فإنّه يقول في نفس واحدة : (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). فكيف بمَنْ أحيا هذا الخلق كلّه؟!
ومتى كان الأشعري شيخ صحابة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، ومِن ذوي الفضائل والسوابق في الإسلام؟! وانخدع الأشعري بهذه الكلمات المعسولة ، فطفق يسأل ابن العاص عن سبل الإصلاح وحقن الدماء ، فأجابه ابن العاص : تخلع أنت علي بن أبي طالب ، وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان ، ونختار لهذه الأُمّة رجلاً لمْ يحضر في شيء مِن الفتنة ، ولمْ يغمس يده فيها.
فبادر أبو موسى يسأل عن الرجل الذي لمْ ينغمس في الفتنة قائلاً :
__________________
(١) روى سويد بن غفلة قال : كنت مع أبي موسى الأشعري على شاطئ الفرات في خلافة عثمان ، فروى لي خبراً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : سمعته يقول : «إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلمْ يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالّين ضلاّ وأضلاّ مَنْ اتّبعهما ، ولا تنفك أمر اُمّتي حتّى يبعثوا حكمين يضلاّن ويضلاّن مَنْ اتّبعهما». فقلت له : احذر يا أبا موسي أن تكون أحدهما. قال : فخلع قميصه وقال : أبرأ إلى الله مِن ذلك كما برأ قميصي من هذا. جاء ذلك في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣١٥.