ولمْ يفجّر الإمام الحُسين (عليه السّلام) ثورته الكبرى أشِرَاً ولا بطرَاً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ـ حسب ما يقول ـ وإنّما انطلق ليؤسس معالم الإصلاح في البلاد ، ويحقّق العدل الاجتماعي بين الناس ، ويقضي على أسباب النكسة الأليمة التي مُنِي بها المسلمون في ظلّ الحكم الأموي الذي ألحق بهم الهزيمة والعار.
لقد انطلق الإمام ليصحّح الأوضاع الراهنة في البلاد ، ويُعيد للأُمّة ما فقدته من مقوّماتها وذاتياتها ، ويُعيد لشراينها الحياة الكريمة التي تملك بها إرادتها وحريتها في مسيرتها النضالية لقيادة أُمم العالم في ظلّ حكم متوازن تُذاب فيه الفوارق الاجتماعية ، وتُقام الحياة على أسس صلبة من المحبّة والإخاء ، إنّه حكم الله خالق الكون وواهب الحياة ، لا حكم معاوية الذي قاد مركبة حكومته على إماتة وعي الإنسان وشلّ حركاته الفكرية والاجتماعية.
لقد فجّر الإمام (عليه السّلام) ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب ، وجعلها عبرة لأولي الألباب ، فأضاء بها الطريق وأوضح بها القصد وأنار بها الفكر ، فانهارت بها السّدود والحواجز التي وضعها الحكم الاُموي أمام التطوّر الشامل الذي يريده الإسلام لأبنائه ، فلمْ يعد بعد الثورة أيّ ظلّ للسلبيات الرهيبة التي أقامها الحكم الاُموي على مسرح الحياة الإسلاميّة ، فقد انتفضت الأُمّة ـ بعد مقتل الإمام ـ كالمارد الجبّار وهي تسخر مِن الحياة وتستهزأ بالموت ، وتزجّ بأبنائها في ثورات متلاحقة حتّى أطاحت بالحكم الاُموي واكتسحت معالم زهوه.
ولمْ يقدم الإمام على الثورة إلاّ بعد أنْ انسدّت أمامه جميع الوسائل ، وانقطع كلّ أمل له في إصلاح الأُمّة ، وإنقاذها مِن السلوك في المنعطفات ، فأيقن أنّه لا طريق للإصلاح إلاّ بالتضحية الحمراء ، فهي وحدها التي