موضوعة للدلالة على قرب الوجود بمحال أن يكون نفيها موجباً وجود الفعل » (١).
ثامناً : وفي كل كلمتي « ذهب » و « بنورهم » من قوله تعالى :
( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ) (٢) دلالة مركزية في انسحاب أثر نفي العام على نفي الخاص ، ولم يستعمل المثل : « الضوء » بدل « النور » ولا « اذهب » « ذهب » إلا مراعاة لذلك بما أشار إليه الزركشي ( ت ٧٩٤ هـ ) بقوله : ولم يقل : « بضوئهم » بعد قوله ( اضاءت ) لأن النور أهم من الضوء ، إذ يقال على القليل والكثير ، وإنما يقال الضوء على الكثير ، ولذلك قال تعالى :
( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) (٣) ففي الضوء دلالة على الزيادة ، فهو أخص من النور ، وعدمه لا يوجب عدم الضوء ، لاستلزم عدم العام عدم الخاص ، فهو أبلغ من الأول ، والغرض إزالة النور عنهم أصلاً ، ألا ترى ذكره بعده ( تركهم في ظلمات ) وهنا دقيقة ، وهي أنه قال : ( ذهب الله بنورهم ) ولم يقل « أذهب نورهم » لأن الإذهاب بالشيء إشعار له يمنع عودته ، بخلاف الذهاب ، إذ يفهم من الكثير استصحابه في الذهاب ، ومقتضى من الرجوع » (٤).
تاسعاً : والكلمة « عبدا » بتقييدها « مملوكاً » في ( ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً ... ) (٥) قد يتبادر لأول وهلة في الذهن أن العبد دون تقييد فيه دلالة على عدم الحرية فلماذا هذا التقييد إذن ، ولكن الفهم الدقيق يقتضي التقييد ، لأن الحر والعبد سواء أمام الله تعالى ، فهما عبدان له ، اتصفا بالحرية أو العبودية ، فاراد الاحتراز من هذه الناحية بأنه عبد مملوك وليس بحر مقيد.
__________________
(١) ابن الزملكاني : البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : ١٥٤.
(٢) البقرة : ١٧.
(٣) يونس : ٥.
(٤) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : ٣/٤٠٢.
(٥) النحل : ٧٥.