دون الجاحظ الذي
استعمل المادة في هيئة أخرى ، وهي التصوير فقد اعتبراها أداة للتعبير عن الإطار
الخارجي لمثال الشيء وهيئته وصفته ، وقد امتد هذا الاستعمال إلى عصر عبد القادر
الذي يقول : تشبيه الشيء بالشيء من جهة الصورة والشكل. أو جمع الصورة واللون . يريد بذلك الهيئة والصفة مقابل المادة
والجوهر.
وأما ابن الأثير فقد تأثر نسبياً بقدامة
، وجعل الصورة قسيماً للمعنى ، أو في مقابلة أي اعتبرها الشكل ، واعتبر المعنى
مادة لهذا الشكل ، وقوم الصورة فرأى تشبيه المعنى بالصورة ابلغ أقسام التشبيه
الأربعة ، لتصويره المعنى الوهمي المجرد بالصور المشاهدة عياناً ورأى تشبيه الصورة
بالمعنى ألطف الأقسام لأنه تصرف حي ينقل الصورة المحسوسة إلى الصورة المعنوية
المتخيلة.
ويبدو أن الصورة في حدود ما عرضوه لا
تتعدى ما ذكر لها في مداليل لغوية ، وإن توسع فيه إلى ما يشمل الصورة المتخيلة في
أقسام التشبيه ، وإنما ارادوا بذلك الشكل كما أراد ذلك اللغويون ، فهذا ابن سيده (
ت ٤٥٨ هـ ) يقول : « الصورة في الشكل »
وهو يريد بالشكل الهيئة الخارجية التي يتمثل فيها الشيء. وقد تطلق عند اللغويين
على الحقيقة والهيئة معاً ، قال ابن الأثير : الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها
، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته ، وعلى معنى صفته ، يقال صورة الفعل كذا وكذا أي
هيئته ، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته .
ولعل عبد القادر الجرجاني هو أول من
أعطى للصورة دلالة اصطلاحية وهي تعني لديه الفروق المميزة بين معنى ومعنى ، وشبهها
بالفروق التي تميز هيكل إنسان ما عن إنسان ، وخاتم عن خاتم ، وسوار عن سوار ، ولكن
هذه الفروق بوقت انطباعها على هيئة الشيء فإنها يستدل بها على حقيقته.