البصرة بعد أن عزل عنها أبا موسى الأشعري ، وكان عمره أربعاً أو خمساً وعشرين سنة (١) ، وقد اختاره لولاية هذا المصر العظيم ، وكان الأولى أن يختار له من ثقاة الصحابة وخيارهم ؛ لتستفيد الناس من هديه وصلاحه وتقواه ، وتستمد منه الخير والرشاد ، ولكنه لم يعن بذلك ، وإنما عمد إلى ولايته ؛ لأنه ابن خاله.
وقد سار ـ فيما يقول الرواة ـ سيرة ترف وبذخ ، فكان ولاّجاً خرّاجاً كما وصفه الأشعري (٢) ؛ فهو أول مَنْ لبس الخز في البصرة ، وقد لبس جبة دكناء ، فقال الناس : لبس الأمير جلد دب! فغيّر لباسه ولبس جبة حمراء (٣). وقد أنكر عليه سياسته وسيرته عامر بن عبد الله التميمي ، كما عاب على عثمان سلوكه وسيرته.
وقد روى الطبري أنه اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان ، فاجتمع رأيهم أن يبعثوا إليه رجلاً يكلّمه ويخبره بأحداثه ، واختاروا عامر بن عبد الله لمقابلته ، ولمّا التقى به قال له : إن ناساً من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت اُموراً عظاماً ، فاتّقِ الله عزّ وجلّ وتب إليه وانزع عنها.
فاحتقره عثمان وأعرض عنه ، وقال لمَنْ حوله : انظروا إلى هذا! فإنّ الناس يزعمون أنه قارئ ، ثم هو يجيء فيكلّمني في المحقرات ، فوالله ما يدري أين الله.
وما هي المحقرات التي كلّمه بها؟ إنّه لم يكلّمه إلاّ بتقوى الله والعدل في الرعية ، وإيثار مصلحة المسلمين ، واتّباع سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ولكن عثمان شق عليه ذلك واعتبر نصيحته من المحقرات.
__________________
(١) الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ٢ / ٢٥٣.
(٢) الكامل ٣ / ٣٨.
(٣) اُسد الغابة ٣ / ١٩٢.