ومادت الأرض ، وخبا نور العدل والحق ، ومضى مَن كانت حياته رحمةً ونوراً للناس جميعاً ، فما اُصيبت الإنسانية بكارثة أقسى من هذه الكارثة ، لقد مات القائد والمنقذ والمعلم ، واحتجب ذلك النور الذي أضاء الطريق للإنسان وهداه إلى سواء السبيل.
ووجم المسلمون وطاشت أحلامهم ، وعلاهم الفزع والجزع والذعر ، وهرعت نساء المسلمين ، وقد وضعن أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله) الجلالبيب عن رؤوسهن ، يلتدمن صدورهن ، ونساء الأنصار قد ذبلت نفوسهن من الحزن وهن يضربن الوجوه حتّى ذبحت حلوقهن من الصياح (١).
وكان أكثر أهل بيته لوعة وأشدّهم حزناً بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ؛ فقد وقعت على جثمانه وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه ، وهي تقول : «وا أبتاه! وا رسول الله! وا نبي الرحمتاه! الآن لا يأتي الوحي ، الآن ينقطع عنّا جبرئيل. اللّهمّ الحق روحي بروحه ، واشفعني بالنظر إلى وجهه ، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة» (٢).
وأخذت تجول حول الجثمان العظيم ، وهي تقول : «وا أبتاه! إلى جبرئيل أنعاه! وا أبتاه! جنة الفردوس مأواه!! وا أبتاه أجاب ربّاً دعاه!» (٣).
__________________
(١) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ٥٧٤.
(٢) تاريخ الخميس ٢ / ١٩٢.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢ / ٨٨ ، سنن ابن ماجة وجاء فيه : إنّ حماد بن زيد قال : رأيت ثابت راوي الحديث حينما يحدّث به يبكي حتّى تختلف أضلاعه.