لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ، حيث إنّ الصراع الفكريّ والاعتقاديّ في تلك الفترة الزمنيّة قد اشتدّ كثيراً ، فسيطر على الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بين الشيعة والسنّة ، كلٌّ يدّعي أنَّ الحقّ في جانبه ، ولم يصلا لقاسم مشترك يرضي الطرفين في محاولة للعودة إلى حالة الألفة وعدم التنازع ، فكلٌّ منهما متمسِّك بصلابة بما توصّل إليه ؛ هؤلاء بأئمتهم ، وأولئك بحكوماتهم.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على النصوص التي مرت في حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٤٤٣ هـ ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفية واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة «حيّ على خير العمل» الذي تزامن طرحها مع مسائل اعتقاديّة أُخرى بشكل لا يمكنك التفكيك بينها ، مثل مسألة الغدير ، ولبس السواد وما إلى ذلك. فلماذا يمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح؟ ولماذا تقع الفتنة يوم الغدير؟
قال الذهبيّ في أحداث سنة ٣٨٩ هـ : (كانت قد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزينة يوم الغدير ، والوقيد (١) في ليلته ، فأرادت السنّة أن تعمل في مقابلة هذا أشياء ، فادّعت أنَّ اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبيّ وأبو بكر في الغار ، فعملت فيه ما تعمل الشيعة في يوم الغدير ، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوماً بعده بثمانية أيّام إلى مقتل مصعب ...) (٢).
فانظر إلى الأصالة والتحر يف معاً ، وكيف تُغيّر الوقائع والأحداث عن
__________________
(١) أي إيقاد الشموع والقناديل والإضاءة.
(٢) تاريخ الاسلام : ٢٥ حوادث سنة ٣٨١ ـ ٤٠٠ هـ.