من الفتن والبلايا والمحن ، ومن لم يذلّها واتّبعها أذلّته نفسه وأهلكته.
أقول : ومن هنا قال الشاعر :
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على |
|
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم |
وقال الآخر :
والنّفس راغبة إذا رغّبتها |
|
وإذا تردّ إلى قليل تقنع (١) |
وقوله : (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ؛ أي من رزقه المقسوم لكم حلالا طيّبا.
وقد اختلفوا في تفسير الرزق :
فذهب الأشاعرة إلى أنّ المراد به ما ينتفع به مطلقا ، سواء كان بالتغذّي أو بغيره ، وسواء كان مباحا أو حراما.
وذهب بعضهم إلى أنّه ما يربّى به الحيوان من الأغذية والأشربة.
وذهبت المعتزلة إلى أنّ المراد به ما جاز وصحّ الانتفاع به للحيوان بالتغذّي أو غيره ، فلا يشمل الحرام.
والتحقيق : أنّ الرزق هو ما ينتفع به الحيوان مطلقا على وجه يحلّ شرعا ، ولكن لو اختار المكلّف الحرام حرم من رزقه الحلال بقدر ما قسم له من الحلال.
وقد روي عن صفوان بن أميّة أنّه قال : كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ جاء عمر بن قرّة فقال : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّ الله كتب عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلّا من دفّي بكفّي ، فأذن لي بالغناء من غير
__________________
(١) جامع الشواهد ٣ : ١٠٢ ؛ وهو من قصيدة لأبي ذؤيب الهذليّ.