فإن قلت : إذا كانت الملكيّة من صفات الذات الّتي هي عين الذات ، فكيف قال : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) ... (١) إلى آخره.
قلت : قوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ) ... إلى آخره ، قرينة على أنّ المراد بهذا الملك غير ما أشرنا إليه ؛ نظير العزّة والذلّة. فليتأمّل.
تتمّة : قال فخر الدين الرازيّ في تفسيره الكبير : إنّه يتفرّع على كونه سبحانه ملكا أحكام :
منها : أنّ السياسات على أربعة أقسام : سياسة الملّاك ، وسياسة الملوك ، وسياسة الملائكة ، وسياسة ملك الملوك.
فسياسة الملوك أقوى من سياسة الملّاك ، وسياسة الملائكة فوق سياسة الملوك ، وسياسة ملك الملوك فوق سياسة الملائكة ، ألا ترى إلى قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٢) فيا أيّها الملوك ، لا تغترّوا بما لكم من الملك والملك ، فإنّكم أسراء في قبضة قدرة مالك يوم الدين. ويا أيّها الرعيّة ، إن كنتم تخافون سياسة الملك ، أفما تخافون سياسة ملك الملوك الّذي هو مالك يوم الدين؟!
ومنها : أنّه ملك لا يشبه سائر الملوك ، لأنّهم إذا تصدّقوا بشيء انتقص ملكهم ، وقلّت خزائنهم ، أمّا الحقّ سبحانه ، فملكه لا ينتقص بالعطاء والإحسان.
ومنها : أنّه يجب على الرعيّة طاعته ، فإن خالفوه ولم يطيعوه وقع الهرج والمرج في العالم ، وحصل الاضطراب والتشويش ، وتداعى ذلك تخريب
__________________
(١) آل عمران : ٢٦.
(٢) النبأ : ٣٨.